|
ملحق ثقافي واحتمالات انفلاتها من سيطرة أجهزة الدولة وتحكّمها وتوجيهها، وتغيّر مفهوم الأسرار العلمية أو الأسرار القومية بصورة سريعة جداً، وما يستتبع ذلك من تغييرات ـ تكون جذرية أحياناً ـ في طرائق العمل والتفكير حتى المشاعر والقيم الأخلاقية. ولذا يمكننا أن نستنتج من المعالجة المنطقية المربوطة بحصائل التطبيق التكنولوجي الحديث أنّ الأدوات المعلوماتية تمثّل وسائط «رمزية» تضخّم «ذكاء» مستخدميها، بدلاً من تضخيم عضلاتهم الذي قصدت إليه «الثورة الصناعية» في القرن الثامن عشر وما تلاه، مستفيدة من جهود أعداد كبيرة جداً من المختصّين الذين يقدّمون أفضل ما توصّلت إليه تكنولوجيا الاتصالات وقواعد المعلومات في المجالات المعرفية كافة. وهذا ما أدى مؤخّراً إلى جعل الأدوات المعلوماتية في موضع الاهتمام الأول لدى المخترعين والعلماء والمصمّمين حتى الاقتصاديين والتربويين والسياسيين وغيرهم من المشتغلين بشؤون الثقافتين النظرية والتطبيقية، وقد أتاحت لهم تنسيق جميع أنواع المعلومات في شكل «رقمي» ضمن نمط من «النبضات الكهربائية» التي يسهل على ما نستخدمه من أجهزة الكمبيوتر أن يتعامل معها. وتظهر الملاحظة العملية ـ على المستوى الزمني ـ أنّ وسائط المعلوماتية قد بدأت انتشارها على الأغلب بالفضائيات التلفزيونية، التي كانت قد سيطرت على جانب عريض من فاعليات الحياة الإعلامية في العالم، ثم الكمبيوترات والإنترنيت والبريد الإلكتروني. ورغم أننا في هذا القطر وغيره من البلاد العربية وعشرات الدول النامية الأخرى، مانزال بعيدين كثيراً عن المعدلات السريعة لانتشار استخدام الكمبيوتر وما يرتبط به من استخدام الإنترنيت وبريدها، إلا إننا يمكن أن نقول بدخول عصر الفضائيات والإعلام العابر للقارات الذي تظهر المعطيات الراهنة أنه يشارك في صناعة الأحداث وليس توجيهها فقط. وقد سجّلت نتائج رصد منتجات الثقافة ـ حسب بعض الدراسات والإحصاءات ـ أنّ أعداداً كثيرة جداً من المثقفين قد حققوا من الانتشار والاشتهار خلال أشهر قليلة أكثر من ما حققه بعض الأعلام والمفكرين في الخمسين سنة المنصرمة قبل بداية هذا القرن. وأضحى أقوى الاتجاهات بين المثقفين الحاليين من عرب وغيرهم يُعنى بالتوجّه إلى المتلقّي باعتباره مشاركاً في صناعة «المكانة الثقافية» إضافة لكونه «مستهلكاً» تتوجّه إليه الجهات الناشرة التي تأخذ على عاتقها إصدار عمله الإبداعي بشكل أو أكثر من الأشكال. وقد تشرّبت عمليات التثقيف المباشر غير قليل من النجاح، مع ما حققته ثورة المعلوماتية من تقدم سريع وغير مسبوق أيضاً، في مجالات تكنولوجيا التعليم والاستخدام المتزايد للتليسِمنار والفيديو في أغراض نقل المعلومات المتنوّعة، وخاصة التعليم والمثاقفة، وتزايد استخدام الكمبيوترات في ما يُعرف بأنظمة التعليم عن بُعد، حتى عمدت جامعة دمشق بعد عشرات الجامعات الكبرى ـ ومع مئات أخرى تتبع طريقها ـ إلى إدخاله في برامجها على غير صعيد. ونتمنى أن يساعد هذا في حفز المشتغلين بالثقافة إلى ترسيخ العمل «المستقلّ» عن الفاعليات الحكومية ذات الأطُر الرسمية البطيئة التغيير، والاستفادة من حرية «تدفّق» المعلومات بعيداً عن الرقابة المتشددة لتحقيق قفزات إبداعية في الاتجاهات كافة، ودون التخلّي عن التمسّك بضوابط الأخلاق والقوانين المهنية الراقية، وأن تتعاظم الأدوار التي يقوم بها أفراد مبدعون لم يجدوا في نصوص الجهات الرسمية ما يسمح لهم بالمشاركة في القفز نحو المستقبل والتخلّص من الروتين المؤسس باعتماد أنظمة بيروقراطية ساحقة. فيكون من نتيجة ذلك إقامة ارتباط عضوي بين فاعليات الثقافة وإعلاء شأن «القيم المجتمعية العليا» التي ترى أنّ تغيير العادات والتقاليد في المذخور الثقافي من الأمور المحمودة، والتي تؤدي في تحققاتها الإيجابية إلى رفع الشعور بقيمة «الإنسان» من حيث هو كذلك. |
|