|
شباب فالكتابات الجدارية التي يكتبها مراهق على حائط منزو في مدينة ما معبراً بها عن حبه أو غضبه من قضية تؤرق حياته وذلك الذي يقرأ رواية ليجد البطل في ذاته ورجل الدين الذي يرى في أي حدث كوني تجسيداً لفعل الله فيما كتبه في الكتب السماوية كلها أفعال تعبر عن ذات الإنسان إن هذه الذات غير المرئية التي تموت في تفاصيل الحياة اليومية شاعرين بها دون أن يكون لنا قدرة التعبير عنها هي ما نريد إثباته. عندما كان أحدهم يقول لي اقرأ ما بين السطور كنت أتذكر أن أقرأ ما بين سطور أفكاري وتصرفاتي وانفعالاتي، كنت أتذكر قبل قراءة مشاعر الآخرين قراءة نفسي لكي أستطيع فهم الآخر قراءة نفسي التي تعج بالألوان الصاخبة التي لا تلبث أن تتمايز ببعد حياتي يشدني باتجاهات لا أفهم تاليها ولكن بكل سذاجة الإنسان الواقعي أضع الاحتمالات المستقبلية مقنعاً نفسي أني أفهم ما يدور في هذا الرأس ،أفهم ما تريده النفس التي تسجنني بطوق الحرية التي تنشد.
في لحظات الجنون التي نبحث عنها في الحياة تتفتح لدينا زوايا الواقع بوضوح حيث في هذه اللحظات تختزل الحياة بأبعادها بنظرة فطرية تنم عن بعد روحي يتفجر ليرينا خيالات الماضي والبعد المستقبلي لما نريد وكأننا نبحث في الحياة عن أشياء نتمثلها لنكون وإياها شيئاً واحداً حيث ندرك بفطرتنا أن حيثيات الحياة التي نعيش عشواء فهي تزول لتوجد، تضطرب لتنتظم ،ونحن نريد التفاهم معها ومعنا نريد أن نعيشها ببعد فكري مستمد من عمق تعقل الجنون لذلك نحاول الاضطراب فنجد أنفسنا مدفوعين لأفعال تجعلنا نهزي وننوس كفعل الحياة. الرقص.. التمرد.. تدمير أنا الروتين ليتحرر ذاك الذي في الداخل لنصرخ بقولنا نحن أحرار فتكون بذلك قد أعطيت الفرصة لنفسك كي تتجدد رغم أنك لم تغير لون بشرتك أو شكل وجهك أو حتى مشاعرك والأشخاص الذين حولك من أصدقاء وأقارب. فالعقل هو الذي تحرر، تمرد ،حطم سجن الجسد ليرى ويقول ما كان يستحي أن يقول لينطلق في إطار التمازج الفكري الحاصل عن فعل الحرية المطلق ليعبر عن عبثية الحياة مؤكداً أن هذه اللحظات هي قمة التعقل وقمة التفرد. فمن خلال النظر إلى الحياة نجد تشابهها مع نواسي الأرجوحة فحركة الأرجوحة هي قمتان بينهما انخفاض إلى ذروة الصفر هاتان القمتان تعبران عن كتلتي الحياة الرئيسية «الأطفال والشيوخ» فالإنسان كطفل يعتبر في قمة السعادة لأنه ما زال يعيش الفطرة التي وجد بها ولا يشوبه شك في حياته أما الشيوخ فهم في القمة الأخرى لأنهم تخلصوا من الشك وصولاً إلى الحكمة التي من خلالها يشعرون بثبات التواتر ويستطيعون التحكم به إلى درجة امتصاصه حتى العدم وزيادته إلى حد الطنين المزعج وما بين هاتين القمتين يعيش الشك الذي يجعلنا ننحدر إلى حد الهاوية. الشك ذلك الشعور بعدم القدرة على التصديق عدم القدرة على اكتشاف الحقيقة مما يدفعنا إلى تزييف الحياة بحقيقة مصطنعة وهذا ما أدعوه الهروب إلى الأمام الهروب القاتل بسهام فوضى الحياة، فنحن في الحياة نضع حقيقة مزيفة إذاً نضع الثبات فما نريد هو الثبات ثم تبدأ ملامح حقيقتنا الزائفة التي وضعناها تنكشف لنرى زيف ثباتنا لنرى هشاشة العلاقة بين روحنا وجسدنا لنقول في اللحظات إننا لا نستطيع أن نفهم ما نريد لا يمكننا أن نعرف أنفسنا فالحياة تريد وعياً مفهومياً وليس وعياً منطقياً فالوعي المفهومي يتطرق إلى كل جوانب الحياة اللامتناهية لفهم الظاهرة بينما الوعي المنطقي هو حصر الظاهرة بعدة جوانب ليجد القانون، أي يقوم بالتجريد ليصل إلى الثبات. الوجود هو أن تتفانى في اللحظة التي تعيش لحد الموت وأن تتفانى بنقيضها لتجد المتعة في هذه اللعبة فهل النفس من خلال قيدها الجسدي هو ما يجعلها تستمتع بالحرية؟ حيث تتوحد الإرادة لتدفعنا إلى قدر نرسمه بأيدينا معتقدين أن هذا ما خططنا له عبر أفكارنا المترجمة إلى أعمال، متغابين عن تشابك أقدارنا بأقدار الآخرين، ساعين إلى إقناع أنفسنا بالاستقلال والتفرد وأننا في كل لحظة نولد من عبق فكرنا المتمرد حيث يغيب عنا أن هذه الولادة هي انعكاس متطابق للواقع. مع الإشارة إلى أن هذا الفكر المتمرد انتجته زنزانة الواقع مصحوب بصوت سلاسل المجتمع هذا الصوت الذي لا ننفك نشتمه هو الموسيقا المرافقة لأغنية الحياة، فأين هي الحرية التي نقول؟ فكل الناس يحب وكلهم يعمل وبالمطلق كلهم يفكر فأين التفرد أين الخصوصية؟ هل هي موجودة فيما أحب أم في طبيعة العمل الذي أجيد؟ وهل من الممكن أن لا أجد شخصاً يفعل كل ذلك مثلي؟ وهل هذا يعني أن حريتي تكمن في الجزئيات؟ مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الجزئيات يفرضها الآخر فلست أنا الذي أختار أبي وأخوتي ووسطي الاجتماعي، فهذه الجزئيات أتمثلها عبرهم، عبر وعي بما يريدون من خلال علاقات التداخل الحياتية معهم فصيغ الحياة متقاربة، الحرية هي أن تختار من مجال مفتوح لا أن تختار من خيارات ثابتة؟ ذلك الإنسان الذي يدخن الغليون أو النرجيلة أو يشرب الشاي أو حتى يلبس الجينز عن ماذا يعبر؟ هل هذه النمطية فيما نلبس ونأكل وفي سطحية الأفكار هو ما يخلدنا كمجتمع يتعارف من خلال هذه الإشارات أم أننا مجرد حلم قطيعي مجنون يحيلنا أدوات عرض فجسمي وسيلة لعرض جمالية ما ألبس وروحي وسيلة لعرض ما أدلجه المجتمع في فكري وعيناي تخلد ما يراه الآخر جميلاً. فأين أنا من هذا؟ عفواً هذا ما أسميه الموت الحقيقي الموت الذي يحيلني إلى مجرد عارض يحيلني إلى مجرد شيء يؤكد وجوده من خلال الصراخ بعبارات «أنا هنا.. أنا موجود أأأأأنا أعيش». وهنا يتطلع الإنسان إلى نوع الحرية التي ذكرتها في المقدمة فما يفكر به الإنسان هو المتعة بأنانية مطلقة وهذا محرم يريد أن يقتل الواقع وهذا محرم يريد الغريزة وهذا محرم . ثلاثة محرمات يفعلها فيعيش لحظة الوجود المطلق للروح المتمرد أي بمعنى آخر يعش شغف حب الذات الخالدة يعبر عن سرمدية النواسين المستمرة للحياة يتوق إلى لحظات التباهي بالأنا التي تجد نفسها ثابتة في قمتين. ففي لحظات الحرية تتلاشى حبات الروح بين حنايا الجسد لتتحد بفكر تعبيري لا يفهم إلا من قبل من عاش التجربة وهو حكر عليه. إن كل هذا يدفعني للتعبير عن اللحظات التي أعيش بشكل أظنه مختلفاً ومتواتراً صارخاً في وجه ما يكبلني قائلاً: يا أيها الموت القابع تحت قباب روعة المجتمع أقول لك إن نفسي لا تريد الزواج بك وحتى إن دعوتها للرقص في حفلاتك الصاخبة فلن ترقص معك فقد وجدت في رهبانيتها وجوداً يفوقك روعة يحيلك عدماً. |
|