تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موت الإنسان الآخر

شباب
18 / 4 / 2011
السويداء- هنادي السهوي

عندما تتذوق طعم الخيانة للمرة الأولى يكون مفاجئاً وفي المرة الثانية يكون الطعم مراً وتأنيباً لذات ساذجة حتى تقع في شرك الآخر مرة أخرى، ولكن الأصعب من ذلك عندما يتحول هذا الحاجز والخوف من التعامل مع الآخر إلى فوبيا.

يقول البعض: إن التعامل مع الآخر في هذا الوقت صار تحديا فكيف لك أن ترتبط بالآخر وتثق به وتدير ظهرك له دون أن يراودك شعور بأنه قد يطعنك غدراً..؟‏

ويقال: إذا طعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة، ولكن هل ينسي شعور المقدمة حقاً طعم الخيانة؟ لأنه ذلك الجرح الذي يبقى مفتوحاً ينزف في المناسبات الكبرى وفي الأعياد والاجتماعات وطقوس ليلية لاستذكار من خانونا.‏

اضحك....قالت أحلام مستغانمي يموت الحب الكبير حين نبدأ بالضحك منه، الضحك والخيانة كلاهما أمر كبير معادلة صعبة، وقد لا تنفع هذه المقولة مع كوابيس الخيانة وشبح يطرق هواجسك في كل مغامرة أو تجربة قد تصادفك وتختبر علاقتك بمن حولك.‏

في تلك القصة عندما يستنجد رجل بفارس مرّ من جانبه بعد أن ادعى أنه عطشان وقد فقد حصانه فنزل الفارس وأسعفه بالماء، ثم دفعه ليركب الحصان ولكن الأخير أسرع بالحصان هارباً ولما صرخ الفارس بالرجل الخائن أرجوك ألا تخبر أحداً عما فعلته لكي لا يفقد الناس نخوتهم شعر بالخزي من نفسه ومن فعلته القبيحة فعاد أدراجه ولكن هل ما زالت الكلمة تؤثر حقاً في النفوس...هل تشفي تلك النفوس المريضة بالخيانة والكذب وآفات مرضية يخجل المرء من ذكرها؟؟‏

أتذكر أن صديقاً روى لي مرة حكاية أضحكتني كثيراً: يحكى أن قرداً كان يوماً على ظهر سفينة مع رجل كان يبيع الخمر لطاقمها, كان الرجل يمزج خمرته بالماء ويكسب مالاً وفيراً، وذات يوم خطف القرد صرة سيده واعتلى سارية السفينة، فحل القرد الصرة وراح يرمي مرحاً قطعة من النقود في البحر وأخرى على سطح السفينة حتى قسم المال قسمين....تلك الخيانة حاكمها القرد ..ولو أردنا أن نحاكم بعضنا على خيانتنا لكنّا بحاجة إلى سفاري قرود.‏

الوقت يخون أيضاً ...إنه يخذل الناس في امتحانات تحتاج للسرعة, ويخذل أولئك المسنين عندما يلتفتون بنصف استدارة إلى الماضي أو عندما يواجهون المرآة ليكتشفوا أن الشيب قد سكن مساحة الرأس كلها.‏

وأولئك الذين يسابقون الحب والشوق والألم والوجد إلى المستشفى ليوقفوا تقدم رصاصة في جسد طفل خانه الوقت أولاً، حيث لم يستطع من حوله تدارك ذلك المندس الخائن، وهو يصوب بندقيته إلى صدره ثم خانه الوقت الذي لم يحافظ على دقات قلبه صامدة إلى المستشفى ...حينها يا للخيبة !!‏

حتى الوطن يتعرض لخيانة أبنائه وتبرئهم منه والمشكلة هنا معقدة أكثر، ربما لأن الوطن لا يحتل المقدمة فقط؛ بل هو في داخلنا يسير مع الشريان إلى كل ناحية في أجسادنا ....إذا عندما ندير ظهرنا للوطن فهي خيانة للكيان ........للانتماء .‏

ماذا نفعل إذا لم نستطع أن نتغلب على جرح الخيانة بالنسيان والضحك؟ ماذا علينا أن نفعل حينها؟ هل نسير بمحاذاة الخيانة؟ ....هل نعقد اتفاقا معها بحيث تقلل من زيارتنا وتذكيرنا بأوجاع الغدر؟ مقابل أن تتعلم الدرس ونبتعد عن الآخر ثم الانعزال والعيش وحيداٍ في مساحة كلامية ضيقة فيها الضمير (أنا)؟ كيف نبقى في الوسط ونعادل بين هذه المتناقضات؟ هل يحتاج البشر إلى فرمتة ومسح البيانات القديمة ومن ثم تحميل برنامج جديد حتى ينتهي من تلك القصص العتيقة؟..هل علينا أن نسأل أي شخص قد تعرفنا عليه حديثاً عن شهادة موثقة من عدة مصادر وجمعيات تثبت براءته من كل تهم الخيانة والغدر وحسن السلوك مع الآخر ...حينها يا ألف خيبة !!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية