|
ثقافة (مرصد استانبول: هدم الرصد ورصد الهدم) للأستاذ الدكتور سامر عكاش عميد كلية الهندسة المعمارية في الجامعة العربية الدولية. وقد افتتحت المحاضرة المهندسة ريم عبد الغني بكلمة أوضحت فيها أن اختيار الموضوع كان لدحض الشائع من أن علوم الحضارة الإسلامية قد اتجهت حصراً نحو الدراسات الدينية أو العلوم الإنسانية، فهي في الحقيقة توزعت بغناها وتشعبها على كافة المعارف والعلوم والآداب. والجهد العلمي في الحضارة الإسلامية قد ركز على توفير فرص البحث العلمي لسائر القادرين على ذلك. بدوره د. سامر عكاش بدأ محاضرته قائلاً: إن ظهور العلوم الحديثة في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين من أهم الأحداث التي غيرت مسيرة التطور الإنساني ووجهتها نحو العالم الذي نعيشه اليوم بكل إيجابياته وسلبياته بينما يعتبر كثير من المؤرخين اكتشاف (كوبر نيكوس) لنظرية مركزية الشمس الحدث الأهم على الإطلاق الذي مهد لظهور العلوم الحديثة، حيث تمخض عنه صراع مرير وطويل بين علماء الدين وعلماء الطبيعة دام أكثر من قرنين. بالمقابل على الطرف العربي العثماني تبدو هذه الفترة بحسب الرواية المتداولة أنها مرت مرور الكرام دون أحداث تذكر وذلك لأن شعلة الفضول العلمي كانت قد انطفأت منذ زمن بعيد ولأن العلماء العرب لم يتعرفوا على نظرية كوبر نيكوس حتى منتصف القرن التاسع عشر، هذا ما روجت له الرواية الرسمية الشائعة التي ألقت باللوم على العثمانيين لتبرير تراجع العلوم عند العرب. وأكد عكاش أن الدراسات الجديدة في مجالي تاريخ الفكر وتاريخ العلوم تشير إلى سذاجة الرواية الشائعة في ضوء ظهور معطيات جديدة تقتضي منا إعادة النظر في تاريخ تلك الحقبة المهمة، من أهم هذه المعطيات هو أن تطور العلوم عند العرب استمر حتى نهاية القرن السادس عشر وهي المحطة التي تساوى عندها التقدم العلمي في كل حضارات العالم وقتها. في العالم العربي العثماني تزامنت هذه المحطة مع حدث خطير ألا وهو هدم مرصد استانبول في عام 1580 من قبل السلطان سليم الثالث، يطرح هذا الحدث أسئلة كثيرة لا أجوبة شافية لها أهمها: لماذا هدم السلطان سليم الثالث مرصد استانبول وقد شارف على الانتهاء؟ لماذا هدمه مع أنه هو نفسه الذي تبناه منذ البداية؟ ماالذي كان يأمل السلطان تحقيقه عندما قرر إنشاء المرصد؟ وما تأثير هذه الحادثة الخطيرة على مسيرة العلوم عند العرب؟ ولماذا لم تحظ باهتمام الباحثين ومؤرخي العلوم؟ إن المعطيات الجديدة طرحت حزمة أخرى من التساؤلات المحيرة التي لا أجوبة شافية لها أيضاً فبعد الاعتقاد التام ولزمن طويل بانفراد أوروبا في صناعة الإنجاز الكوبريني أصبح شبه المسلم به اليوم أن كوبر نيكوس استخدم في كتابه في دوران الأفلاك السماوية الرياضيات التي طورها رواد الفلك لحل مشكلات الهيئة البطلمية وبالتحديد تلك التي استخدمها كل من مؤيد الدين العرضي ونصير الدين الطوسي وابن الشاطر. وقد بينت الدراسات مدى التطابق بين رياضيات كوبر نيكوس ورياضيات علماء الهيئة المسلمين لدرجة أنه لم يعد هناك شك اليوم في أن كوبر نيكوس استند في وضع نظرياته الفلكية إلى المصادر العربية ونقل منها في بعض الأماكن نقلاً حرفياً. بات معروفاً اليوم أن الفلكيين المسلمين قد توصلوا إلى تصور لنظام فلكي معادل رياضياً لنظام كوبرنيكوس قبل الأخير بحوالي قرنين على الأقل، فما الذي منعهم من محاولة استكشاف حلول شاذة من النظام الأرسطي- البطلمي؟ لماذا لم يدفعهم فضولهم العلمي وهم على علمهم العميق بمشكلات نظام مركزية الأرض إلى البحث عن تصورات جديدة تغير النظام الكوني؟ ولما بات من المؤكد اليوم أن الإنجاز الكوبريني في الحقيقة ليس إنجازاً أو نقلة نوعية على المستوى الرياضي وإنما على المستوى الفكري والديني بالدرجة الأولى، فما هو العائق الذي وقف في وجه علماء المسلمين على مدى قرنين وحال دون حدوث هذه النقلة الفكرية والدينية؟ ولما بات من المؤكد أيضاً أن العلماء كانوا يراوحون على عتبة أهم تحول في تاريخ البشرية الحديث فما الذي أعاقهم عن التخلي عن العبء اليوناني الإشكالي القديم وعبور العتبة وتبني ولادة العالم الحديث؟ وخاصة أننا نتحدث عن أسبقية للعلماء المسلمين بفاصل زمني لا يقل عن مئتي عام، فهل يعقل أن يخلو المشهد الإسلامي طوال هذه الفترة تماماً من الأفكار الجريئة بالرغم من القلق المستمر حول مشكلات الكون البطلمي؟ هل كانت هناك محاولات متطرفة لم نكتشفها بعد؟!! ليس لدينا معلومات كافية عن هذه الأسئلة الخطيرة ولكن المحاضرة كانت محاولة لاستقراء ظني لبعض الأحداث المهمة التي تزامنت مع نظرية كوبرنيكوس والتي يعتقد أن لها علاقة بهدم مرصد استانبول. |
|