تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يتأرجحون على تناقضهم .. يريدون كلّ شيء ولا يفعلون أي شيء!

شباب
الاثنين 7-3-2011م
غانم محمد

عندما لا تستطيع أن تعيش فكرَ غيرك فمن الأفضل أن تسمح لفكر غيرك أن يعيش معك باحترام ودون هزء به..

كنّا شباباً، وكنّا نحتجّ على التدخلات في خصوصياتنا، ونستغرب عندما لا يفهم الآخرون كلامنا أو حتى صمتنا فلماذا انعكست الأدوار وأصبحنا نستغرب احتجاجات أبنائنا أو نستخفّ بما يقولونه إن لم ينسجم مع قناعاتنا؟‏

يقولون: أكثر ما يتعبك هو أن تخاطب من لا يفهمك، وأعتقد أن التعب يصيب الطرفين، فلا الآباء قادرون تماماً على تفهّم ما يختلف به الأبناء عنهم ولا الأبناء قادرون دائماً على تقبّل ما يفكّر به آباؤهم ومن هنا قد يحدث شرخ بين الآباء والأبناء تعززه وسائل بدائل الأسرة، هذه الأسرة التي أصبحت وفق الكثير من الدراسات الاجتماعية مجرد شكل بلا مضمون!‏

نعيب على أولادنا في بعض الأحيان العزلة التي يضربونها حولهم وننسى أننا نحن من وضع حجر الأساس لهذه العزلة، هذا الأب مشغول بعملين ويحرص على توفير ساعتين لمتابعة مباراة بكرة القدم أو للتنقّل بين المحطات الأخبارية وتلك الأم لديها أعباؤها الكثيرة، ولأن الحاسوب أصبح مثل الطاولة المتربّع فوقها أحد أساسيات البيت (عن قناعة أم تقليد أم موضة) يجد أبناؤنا فيه هروباً من انشغالنا عنهم فقليلون منهم يتعلمون والأكثر منهم يهدرون وقتهم في التنقّل بين صفحات الكترونية معظمها كما المنشار يجرح كيفما تحرّك..‏

نتفاخر بأننا وفّرنا لكل ولد من أولادنا غرفة خاصة به، وعندما يحضر أي حديث عن فجوة موجودة بين الأهل والأبناء نهزّ رؤوسنا متحسّرين على أيام زمان وما فيها من دفء عائلي، ونتباكى على مائدة عامرة بالألفة وبالحبّ يجلس عليها جميع أفراد العائلة وننسى أننا خصصنا لكل ولد صحناً خاصاً به لا يجوز أن يمدّ ملعقته إلى غيره!‏

هناك قاعدة اجتماعية تقول: لحلّ أي مشكلة لا بد من الوعي اللازم بوجود المشكلة والتعرّف على مظاهرها ومخاطرها وطرق علاجها، فهل نعترف أولاً بوجود مشكلة خفية بين الأهل والأبناء أم نبقى مكابرين حتى تتفاقم ونجد أنفسنا عاجزين عن السيطرة عليها؟‏

الفجوة التي أشرت لها ليست الفجوة الوحيدة الموجودة في الأسرة بل إن فجوة أخرى قد تكون بين الأخ وأخيه ويكون لكل منهما عالمه الخاص والمنفصل عن عالم أخيه، ووعينا لوجود هذه المشكلة وجرأة الاعتراف بها يسهل لنا الانتقال إلى حلّها والحدّ من مخاطرها..‏

عرّجتُ بالسؤال الآتي على مجموعة من الأهل وأبنائهم وهو: (أمازالت الأسرة وحدة متفاعلة أم مجموعة أفراد مضطرون للعيش في منزل واحد؟) فتباينت الإجابات لكن القاسم المشترك فيها هو أن هذه الأسرة لم تعد كما كانت قبل عقدين من الزمن، أما الأسباب فهي انشغال الأهل عن الأبناء من وجهة نظر الأخيرين وهي حب الاستقلالية الموجود لدى الأبناء من وجهة نظر الأهالي وستبقى الجدلية مستمرة إلى أن يصبح الأبناء آباء وهنا يحدث التغيّر في طرفي العلاقة لا في جوهرها..‏

جلتُ على عديد المنتديات الالكترونية الخاصة بالشباب والتي تتناول مشكلاتهم وتقدّم لهم الحلول من وجهات نظر مختلفة يعرضها الشباب على هذه المنتديات، والمتنقّل فوق صفحات هذه المنتديات يدرك حجم التشتت الذي يعيشه شباب هذه الأيام والاضطراب الذي يصبغ تفكير الكثيرين منهم وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدعم ما نحن بصدده من حالة غربة بين الأهل والأبناء في مطارح كثيرة...‏

يطرح الكثير من الشباب في المنتديات التي وجدوا فيها من يسمعهم ويحادثهم همومهم، ويأتي في مقدمة الهموم المطروحة اختلافهم بالتفكير عن أهلهم الأمر الذي يولّد في بعض الحالات رفضاً متبادلاً يبقي على الهوة التي أشرنا لها، بل ويعمّقها في ظل وجود هذه المواقع ما يشجّع على ذلك..‏

اختلاف مفردات التفكير بين الأهل والأبناء في بعض الأحيان يقود عديد الشباب إلى البحث عن نماذج بديلة لهذه العلاقة وغالباً ما يجدون ضالتهم في علاقات أجنبية مستوردة فيبدون إعجابهم بها دون لحظ الفوارق الموجودة بين مجتمعاتهم ومجتمعاتنا ليصبّ كل هذا في خانة (الأسرة الشكلية) التي أشرنا إليها آنفاً..‏

المقارنات المعقودة على الصفحات الالكترونية تخلص إلى نتائج وضعها هؤلاء الشباب في مخيلتهم سلفاً لدعم وهم يؤمنون به، فاهتمام دولة ما مثل بريطانيا بمنح رواتب للعاطلين عن العمل يؤخذ هكذا جامداً ويصبح قالباً لديهم يرجمون من خلاله عدم توفير الدولة لفرص عمل للشباب وعدم التفاتها لوجعهم كما يقولون في بعض المواقع الالكترونية، ولا تستطيع أن تقنعهم أن الدولة ومن خلال مزايا تفوق رواتب البطالة تغدقهم رعاية واهتماماً لكنها لن تكون قادرة بالتأكيد على توظيف الجميع، لكن بمزيد من المحاولات من الدولة ومن نقاباتها ومؤسساتها الحكومية أو شبه الحكومية عليها أن تقنعهم بالعمل الذي يبحث عن عمالة لا بالوظيفة الرسمية التي أصيبت بالتخمة..‏

هذه الحلقة المفقودة بين (مجتمع الشباب) وبين القنوات الرسمية مشكلة بحد ذاتها، فإن اقتنع الشباب بهذه القنوات قد لا تستطيع هذه القنوات إيجاد المفردات العملية والعلمية القادرة على إقناع الشباب دائماً لأننا اعتدنا معظم الأحيان أن تكون التوجهات موسمية كما قال أحد الشباب الذين ناقشتهم بهذا الأمر حيث قال: (لا نلوم مؤسسات الدولة لعدم قدرتها على استيعابنا جميعاً ولكننا نتضايق عندما تتحدث هذه المؤسسات عن توفير فرص عمل بشكل متجدد وآخر شخص وظفته كان قبل سنتين أو ثلاث... نتابع الأرقام الرسمية عن عدد الشركات المرخص لها، وإذا ما استوعبت كل شركة 100 عامل فيها فقد تخفف نسبة البطالة كثيراً لكن هناك شركات بالاسم فقط وقد يقوم بكل أعمالها 10 عمال خاصة مع التقنيات الحديثة).‏

مشكلة أخرى يتداولها شباب المواقع الالكترونية يقول ملخصها إن من حق الشباب فعل ما يحلو لهم وفق أمزجتهم ودون التقيّد بالأعراف الاجتماعية السائدة لأنهم جيل مختلف عن غيرهم..‏

في دراسة أجراها باحثون أردنيون لقضايا الشباب في الجامعات الأردنية اعترف معدو الدراسة بصعوبة إيجاد خطوط واضحة لتنظيم البحث تحتها بسبب اضطراب تفكير جيل الشباب والذي ينتقل من قضية إلى أخرى قفزاً فتجده في درجة عالية من الفهم لمسألة معينة لكنه فجأة ينحدر على قاع التخلف في قضية أخرى مع أن معايير التمدّن يجب ألا تكون متناقضة إلى هذا الحد..‏

يمكننا أن نوجز السمات العامة لتفكير قسم كبير من الشباب وخاصة الذين يعتقدون أنهم يعانون من مشكلات معينة (اقتصادية أو عملية أو عاطفية)، والذين جلنا عليهم بأسئلتنا الداعمة لهذا الطرح بالآتي:‏

- اعتداد هؤلاء الشباب بأنفسهم بشكل يمنعهم من المبادرة لأنهم يفترضون أنه على الآخرين أن يقدروا إمكانياتهم ويسعون إليهم بعروض مغرية للعمل أو للتقرّب منهم لأسباب مختلفة.‏

- جهل قسم كبير منهم لحقيقة ما يعانونه، فهم ضجرون وحسب في مواقف كثيرة وليسوا مستعدين حتى لمصارحة أنفسهم بحقيقة ما يعانونه.‏

- يعتقد قسم كبير من الشباب أن الآخرين يحاربونهم في شتى المجالات فالموظف القديم لا يسمح للشاب بأخذ دوره والمعلم القديم يقول للمعلم الجديد ألم أكن أستاذك، والمسؤول القديم يقول للطامح: (بكير يا ابني)..‏

- فقدان الثقة بالآخر تدفع قسم كبير منهم إلى التقاعس والتسليم بالشكل النمطي للعمل من حيث الالتزام بساعات العمل لا بما هو مطلوب في هذه الساعات.‏

- يدعّي قسم كبير منهم بالثقافة العالية في مختلف المجالات وحقيقة الأمر تقول إن معظمهم مستسلم لأفكار مسبقة الصنع ولأحكام موضوعة دون التحقق من صحتها.‏

- يعترف قسم كبير منهم بحالة الغربة الموجودة داخل الأسرة وغالباً لا يحمّلون أنفسهم أي مسؤولية في هذا الإطار.‏

قد يظهر بعض التشتت في العرض السابق ولكن ما هو إلا انعكاس لحياة قسم كبير من شبابنا فرضت عليهم حياتهم نوعاً من التشاؤم لكن ذلك لا يشكل حالة عامة في مجتمع يعطي جلّ اهتمامه لجيل الشباب، وإن تعثّرت خطوة هنا أو لم تصل خطوة لغايتها هناك فليس معنى هذا أن نرجم الواقع بكل ما فيه..‏

النجاح ليس شرطاً دائماً للمحاولة، والفشل ليس مبرراً لوقف المحاولات وأعتقد أننا نعاني من مشكلة في قلة الدراسات النوعية التي تتناول واقع الشباب، والدراسات الموجودة على قلّتها محدودة من حيث عدد الذين وقعت عليهم الدراسة أو من حيث نشر نتائجها، ونتمنى أن تكثر ورشات العمل الوطنية في ميادين الشباب وأستطيع أن أدلل هنا على تناقض بين الدراسات ونتائجها من جهة وبين واقع الحال من جهة ثانية، فمنذ انطلاق حملات النظافة الوطنية في محافظات القطر كافة والإعلان عن التطوع في هذه الحملات قرأنا عن أرقام مبشّرة للمتطوعين وعندما دعيت لتغطية إحدى حملات النظافة على مستوى بلدة يقترب عدد سكانها من (15) ألف لم يكن في تلك الحملة أكثر من عشرة أشخاص من بينهم رئيس مجلس البلدة وبعض الموظفين في البلدية!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية