|
ثقافة عن الذاكرة وما سيبقى فيها من فيلم «بروكلين» هل يبقى الكثير..؟
والأصح السؤال عمّا سيبقى.. ما قيمته وأهميته.. ما الذي حرّكه وأثاره لديك كمتلقٍ..؟ بدا حضور فيلم (بروكلين)، إخراج جون كرولي، نص نيك هورنبي المستوحى عن رواية الإيرلندي كولم تويبين، وكما لو أنه خارج سرب مجموعة الأفلام التي سابقت على جوائز الغولدن غلوب لهذا العام.. على الرغم من وجود اسم بطلته (سيرشا رونان) ضمن أسماء المرشحين لجائزة أفضل ممثلة عن دور درامي. بالطبع لكل فيلم خصوصيته، قصته، تكنيك إخراجه، مؤثراته، وغيرها من الأمور التي لا تجعل موضوع المقارنة سائغاً أو جائزاً بينه وبين غيره من الأفلام.. ومع ذلك تشعر أن القياس والمقارنة يعملان عفو الخاطر حين تشاهد عملاً يؤثر بك لدرجة كبيرة.. ويدهشك.. كما هو حال «العائد، ماد ماكس، الفتاة الدانماركية...».. وآخر لايكاد يحرك بك أدنى درجات الفضول.. سوى التساؤل عن أهمية تحاط به ولا يستحقها. إيقاع (بروكلين) يقترب من كونه هادئاً.. ولن نختلف مع كثيرين فيما لو تمّ توصيفه بالباهت.. فلا أحداث درامية تشكّل حالة صادمة.. وحتى تلك الأحداث التي جاءت بمثابة «ذروة» قُدمت بإيقاع فاتر. الشخصيات كما لو أنها منسكبة من كتبٍ.. حيادية.. باردة.. إلا في بعض اللحظات التي كانت منعطفات مهمة في حياة الفتاة «إيليش» التي تترك حياتها وأسرتها المكونة من أمها وأختها في أيرلندا لتذهب إلى الولايات المتحدة بغية تأمين مستقبلها.. وهناك تُفتح لها كل الفرص.. عمل.. شهادة.. وحبيب.. تحصل على جميعها في حين لم تحصّل أيٍّ منها في موطنها. حين تعود إلى أيرلندا بزيارة قصيرة، تبقى إيليش في حالة أقرب للضياع لعدم قدرتها على حسم أمرها باتخاذ قرار البقاء في الوطن أو العودة إلى نيويورك- بروكلين، المكان الذي يبدو كالوطن، حين تصفه لإحدى المسافرات معها، عائدةً إليه.. إلى بروكلين.. فعودتها لا تعني التخلي عن أيرلندا إنما العودة إلى الوطن المنشود «الحلم».. الوطن الذي اختارت.. وهنا تكمن إحدى أهم الغايات التي أراد العمل، غالباً، الإيماء إليها.. واستبطانها. هدوء القصة.. وسير حبكة العمل بطريقة تعيد الذاكرة إلى أجواء خمسينيات القرن الماضي، وكان أميناً لها بكل تفاصيله، لن تكوناً غلافاً يزيغ أبصار المتأملين فيما وراء قشرته الخارجية.. قشرة خبّأت إحالات يبطنها (بروكلين) لاسيما حين قدّم أمريكا- الولايات المتحدة بطريقة سلسة جذّابة تجعلها حلماً.. يرغب الجميع بالوصول إليه. هي البلد الذي كان موطناً للكثير من المهاجرين الأيرلنديين المتواجدين بكثرة في بروكلين.. ولهذا هي أقرب إلى اعتبارها بلداً بديلاً. على هذا لن نضيّع رغبة التفات الفيلم إلى الأمس بعينه المواربة.. فيُخلص لقصص الماضي بعدسة رؤية تركّز على ذاك «الوطن، الحلم».. بانسيابية ورقة تجعلك تستسيغها لاشعورياً. لا يغرق الفيلم في استعراض فنيات أو بهرجات بصرية.. لتبقى سمته الأبرز، على هذا الصعيد، البساطة.. التي تبدّت شكلاً فنياً وأداءً.. وكأنها أسلوبية المخرج في التعاطي مع نصٍ يقدّم لمحة عن حياة وأفكار ذاك الزمان.. لتبقى رافعة العمل محصورة بقصة الحب الرومانسي الذي جمع «إيليش» و«توني، إيموري كوهين» نابضة بإيقاع شاعرية الأمس. |
|