|
شؤون سياسية وما تخللها من أحداث خطيرة يبدو أنها كانت جاهزة للتفجير لإرباك الثورة الإسلامية والنيل من مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة لمشروع الهيمنة الأمريكية الصهيونية، وهو صراع كما أثبتته أحداث طهران سيبقى قائماً ضد هذه الثورة وأن الغرب عموماً والصهيونية خصوصاً يدفعون بكل ما لديهم لإسقاطها لأنها قالت لهم وبصريح العبارة لا لمشاريعكم لا لغطرستكم ،لا لظلمكم ولا لقهركم وهذا ما جعل هذا الغرب يجهد ليل نهار لإيقاف وإسكات هذا الصوت ،لكن رغم ذلك فالإدارة الأمريكية ظهر عليها انقسام واضح في المواقف الواجب اتخاذها إزاء أحداث طهران، وهذه المرة كان الخلاف واضحاً بين البيت الأبيض ومركز الدراسات الأمريكية التي تمثل عقر دار اللوبي الصهيوني ففيما أكد الرئيس الأمريكي أوباما أنه يجب النظر إلى هذه الأزمة على أنها أزمة خلافات سياسية داخلية ولهذا فمن الأفضل أن تركز أمريكا وتسعى إلى التعامل مباشرة مع المرجع الايراني الأعلى مرشد الثورة باعتباره الحاكم الفعلي لإيران إلا أن جون بايدن نائب الرئيس أوباما المعارض لموقفه أكد أن الرئيس أوباما سيرتكب خطأً سياسياً كبيراً إن سعى للتقليل من شأن الخلافات الايرانية الدائرة حالياً بل وطالب في الوقت نفسه الرئيس الأمريكي بضرورة التحرك من أجل استثمار هذه الأحداث والخلافات في الساحة الايرانية ودعم قوى المعارضة وإذا لم تقم أمريكا بهذه الخطوة فستشعر المعارضة الايرانية بالإحباط وبالتالي ستتخلى عن ثورتها وبالتالي إذا هدأت الأمور لصالح الفريق الفائز في الانتخابات الذي يمثله الرئيس محمود أحمدي نجاد فإنه من الصعب أن تشهد ايران انتفاضة أخرى على هذا الشكل. إضافة إلى أن أمريكا حسب قول جون بايدن ستخسر مصداقيتها أمام المعارضة في ايران وغيرها من دول العالم الذين سوف لن يغفروا لأمريكا تخليها عنهم وقت الشدة وفي مثل هذه اللحظات المصيرية. كذلك فريق المتشددين في الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم جون بولتون وكراوزمار طالبوا بضرورة الاسراع في تنفيذ عمل عسكري أو على الأقل فرض حصار دولي على ايران وذهب جون بولتون لأبعد من هذا حيث نشر في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية مقالاً طالب فيه الاسرائيليين وتحديداً حكومة نتنياهو بضرورة تنفيذ الضربة العسكرية ضد ايران قبل أن تضيع هذه الفرصة المواتية حسب رأيه. البيت الأبيض بدوره عمل جاهداً على تغطية وتعتيم ما يجري من خلافات بين الرئيس أوباما وبين نائبه بايدن ونفى البيت الأبيض أكثر من مرة وجود مثل هذه الخلافات لكن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وبمشاركة مع بعض السياسيين الأمريكيين سعوا إلى توجيه انتقادات حادة للرئيس أوباما بسبب عدم مبادرته الفورية لدعم المعارضة في ايران وتأييدها رسمياً وكان يدعم هذا الاتجاه اسرائيل والمنظمات اليهودية داخل أمريكا وقد استغلت هذه الأطراف الحدث الايراني كي يوسعوا من انتقادهم للرئيس أوباما ويحشدون المزيد من صفوف المعارضين له في الشارع الأمريكي وداخل مؤسساته صاحبة القرار السياسي لإحداث مزيد من الضغط عليه بسبب مواقفه التي لا تتوافق كلية مع منظورهم السياسي المطلوب من أمريكا في هذا الظرف بالذات. في مثل هذه الحملة المنظمة من الداخل الأمريكي ومن اسرائيل تحديداً والغرب عموماً وجدوا في أحداث ايران ضالتهم المنشودة وأرادوا انتهاز هذه الفرصة، وها هو الخبير السياسي الأمريكي ميشال غيرسون يلقي باللوم على الرئيس أوباما ويطالبه بضرورة اعتماده مواقف أكثر جدية إزاء تعامله مع الأحداث في ايران، ويؤكد أن واقعية الرئيس هذه لن تكون مجدية في هذه الحالة لأنها واقعية مفرطة بما يجعلها لا تصلح للتجاوب مع التطورات الجارية في ايران أوغيرها مما يضعف من هيبة أمريكا ويفقد الثقة بها. كما حذر هذا السياسي من مخاوف تكرار نموذج انكسار وفشل الانتفاضات في أماكن أخرى غير ايران وضرب مثالاً على ذلك ما حدث في المجر التي لم تتدخل واشنطن وقتها فاستغلتها بعض الدول للقضاء على تلك الانتفاضة . لكن الولايات المتحدة شهدت مقابل هذه المواقف المتشنجة ضد ايران مواقف أخرى وصفها البعض بالمعتدلة وأبرز الشخصيات الأمريكية هذه الخبير انطوني كورديسمان الذي قال إنه يجب التوخي بالحذر في التعامل مع الوضع الايراني إذ إن تدخل أمريكا لدعم المعارضة سيعرضها للمخاطر الداخلية ،بالتالي لفقدان هذه المعارضة مصداقيتها الوطنية عند بقية الايرانيين ، إضافة إلى أن آخرين من الوسط الأمريكي حذروا من أن ايران الإسلامية لم تزج بقواها الضاربة بعد للانقضاض على المعارضة ولحماية الثورة في ايران، لكنه يرى أن الشارع الايراني يجب أن يشهد المزيد من فعاليات المعارضة بما يتيح إرهاق الرئيس نجاد تمهيداً للدخول معه في صراع طويل ومرير بنفس الوقت. إن الملاحظ في التوجهات الأمريكية والغريبة سواء الرسمية أم غير الرسمية حيال الأزمة في ايران هو وجود تضارب حقيقي إزاءها والخلاف هذه المرة في الانقسام الأمريكي وخاصة أنه دخل بين فريق المتشددين أنفسهم وهذا بحد ذاته يعكس دوراً كبيراً من الارتباك فيما بينهم حول تحديد الهدف والوسيلة لمواجهته، لكن يجب أن نقر أن الخيار الدبلوماسي الأمريكي لعدم التعجل في التدخل بالأزمة الايرانية لمصلحة المعارضة هو الذي يسيطر اليوم على مجمل القرار الأمريكي لكن علينا وفي نفس الوقت ألا نطمئن لمثل هذه الحالة لأن الحال لا تطمئن لسلامة ومصداقية الموقف الأمريكي، الذي مازال عدائياً لايران ولثورتها ولمواقفها ولنهجها المقاوم في وجه الظلم، ولهذا ولذاك يجب ألا يغيب عن بالنا مدى الحفاوة الغربية غير العادية لاحتجاجات وتظاهرات الايرانيين والمساندة المكشوفة والمستورة لهم من أهل الغرب واسرائيل وكذلك من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بشكل خاص. إن نفاق الغرب حيال ايران وغيرها من القوى الوطنية الرافضة لمنطق الهيمنة والاستبداد والتسلط هو نفاق مكشوف ولم يعد سلاحاً نافعاً لهم بعدما أصابه الصدأ وستبقى ايران قوية لمبادئها وشعبها الذي أثبت أنه الأبقى والأوفى لوطنه. |
|