تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


واقع الكتاب العربي

ملحق ثقافي
30/6/2009م
خلف علي المفتاح

قال الخليفة المأمون لعمه عبد الله بن الحسن وقد تقدمت به السن: ما بقي من لذائذك يا أبا علي؟ فأجابه: اثنان، الأولى اللعب مع الحفدة والأسباط،

والثانية الحديث مع الصم البكم، فقال المأمون: عرفنا الأولى فماذا عن الثانية؟ فأجابه: قراءة الكتب فهي لا تزعجك بصوت ولا تجسس عليك بسمع ولا تتطلع عليك ببصر.‏

إن ما قادني إلى هذا الاستشهاد هو اطلاعي على دراسة عن واقع الكتاب والقارئ العربي بالأرقام، حيث تشير إلى أن نسبة الأمية الأبجدية في الوطن العربي تزيد على 30% أي أن عدد الأميين في الوطن العربي يتجاوز الثمانين مليوناً وهو رقم مخيف؛ فالأمية ليست قضية فرد لا يقرأ أو يكتب، وإنما هي مشكلة اجتماعية واقتصادية ووطنية من حيث أثارها ونتائجها وانعكاساتها على تنمية المجتمع وتطوره، إلى جانب أنها بؤرة الفقر والجنوح والتطرف بكل أشكاله ومظاهره. ومع أن تعريف الأمية لم يعد كما كان في السابق وهو عدم القدرة على القراءة أو الكتابة بلغة ما حيث دخل في مفهوم الأمي عند الكثير من الدول الأمية الثقافية والأمية الالكترونية وغيرها، فكيف سيصبح الرقم المشار إليه لو أدخلنا التعريف الواسع للأمية؟‏

إن الدراسة المنوه عنها تشير إلى أن حصة المواطن العربي من القراءة في السنة لا تزيد على ست دقائق، وأن الدول العربية هي من أقل دول العالم طباعة وإصداراً للكتب، حيث إن نصيب كل مليون مواطن أقل من ثلاثين كتاباً. وتتسع الفجوة الرقمية أكثر عند الحديث عن اقتناء الحاسوب، فالمتوسط العالمي هو 80 حاسوباً لكل 1000 مواطن بينما هي في الوطن العربي 18 حاسوباً لكل ألف مواطن. وتشير الدراسة إلى أن عشر العلماء العرب يهاجرون إلى الخارج بحثاً عن بيئة عمل أفضل. وفي تصنيف لأفضل 500 جامعة في العالم لا نجد في هذه الحزمة الواسعة إلا جامعة عربية واحدة هي جامعة القاهرة، والسبب في إدراجها في التصنيف هو أن اثنين من خريجيها قد نالوا جائزة نوبل وهما الأديب الكبير نجيب محفوظ والعالم أحمد زويل. وفي قراءة وتحليل هذه الأرقام يمكن الوقوف على بعض الأسباب الحقيقية لذلك، ويأتي في مقدمتها آفة الفقر وما تستجره من أمراض اجتماعية وأخلاقية وسلوكية تؤثر سلباً على الفرد والمجتمع، حيث يتركز جهد الفرد والأسرة على تأمين أولويات الحياة من طعام وشراب ومأكل وملبس. وإذا وضعنا قضية الفقر جانباً نجد أن ثمة أسباب أخرى تقف وراءها منها ذلك تكاليف الطباعة وضعف آلية التوزيع ونوعية المواضيع التي يتناولها الكاتب وعدم تناول بعض القضايا التي تقع في دائرة اهتمام القراء وارتفاع أسعار الكتب قياساً على الدخول المنخفضة للقراء الذين هم في غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود. إن ظاهرة الأمية بكافة أشكالها تحتاج إلى استراتيجية جادة في معالجتها والقضاء عليها لأنها من أهم معوقات عملية التنمية.‏

أما ظاهرة ضعف عدد القراء، فإنها تتطلب جهداً جماعياً تشارك فيه كل المؤسسات وخاصة المؤسسات التربوية من خلال المناهج المدرسية، حيث يتم التركيز بشكل جدي على حصص المطالعة الحرة والهادفة وتزويد المكتبات المدرسية بأفضل الكتب العلمية والكتب الأدبية من قصة وشعر ومسرح وكتب الفن العالمي المنفتح، الذي ينمي التفكير العلمي والتحليل المنطقي للظواهر بكافة أشكالها بما يساهم في تشكيل ثقافة اجتماعية فاعلة ومؤثرة. وإلى جانب المؤسسات التربوية يأتي دور المؤسسات الإعلامية والمؤسسات المعنية بالمسألة الثقافية من وزارات واتحاد الكتاب وغيرها من المؤسسات بحيث يتم التركيز على نشر ثقافة القراءة لتصبح قيمة اجتماعية في نسق القيم الفردية والجماعية مما يساهم في القضاء على الأمية بكافة أشكالها والمساهمة في بناء مجتمعات عربية تنتمي بشكل فعلي إلى القرن الحادي والعشرين قرن العلم والمعرفة والإنجازات العملاقة، فالإنسان يعرف على أنه كائن مثقف ومنتصب، والعرب يتهمون بأنهم أمة لا تقرأ، وهم أمة (اقرأ).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية