|
ملحق ثقافي ومنذ أيام الاحتلال الفرنسي شهدت تظاهرات قتل فيها طلاب ورجال واعتقل مناضلون قالوا للاستعمار “لا”، لم أشهد مثل ما حصل في تلك الأيام. خرج من جوف المدينة وآخرون قدموا إليها، فكانوا عدداَ لا يستهان بهم من فئات متشددة تحكّم فيها التعصب وتملكها رغبة بقتل من يخالفهم الرأي، فتحولت حلب إلى جحيم. وكان أن هبت قوات من الجيش قدمت إلى المدينة لتضع حداً لأولئك المتمردين على النظام. حوصرت الشوارع ومنع التجوال فيها مساء وحتى الصباح، فكان أن أمضيت معظم وقتي في البيت، ولم أجد من خلاص لهذا الضيق سوى اللجوء إلى الكتابة. وانطلقت أحداث الرواية تتشكل بداية من شخصية امرأة عجوز. وكتبت أثناء احتفالنا بعيدها المئوي الأول منذ أيام. اخترت لها اسم (الجدة وهوب)، وكانت ترعى عائلة كبيرة بعد ترملها المبكر. وجرت الأحداث في (الأنصارية)، وكنت في طفولتي أعرف (المنصورية) التي تعود إلى أقارب جدتي، فتحولت روائياً إلى الأنصارية. وهكذا كانت روايتي تحمل اسم (زهرة الصندل) التي وضعت لها العنوان منذ البداية، وأصبحت الجدة وهوب بتمسكها بالحياة معادلة لمدينة حلب. وهوب هي المحبة المعطاءة لأبنائها وأحفادها كما كانت حلب في تاريخها الطويل تعطي وتمنح الحب لنا وللأجيال من قبلنا. وكنت قد أنهيت الكتابة سنة 1981 بعد أن بدأتها سنة 1980، وقد توجتها بجملة أؤمن بها وهي (إلى العزاء الأكبر محبة الوطن). وقد نشرت الرواية بعد أشهر ليزين غلافها الفنان المتميز (يوسف عقيل) الذي جاءت لوحته أقرب النساء إلى الجدة وهوب وكانت تحمل شمعداناً صغيراً دل على أهمية (وهوب- حلب) في إضاءة طريق الحياة أمام الحقيقة والمحبة. ما كنت أتصور أن تلك الأيام السوداء في تاريخ حلب، ستفسح المجال أمام هذه الرواية وتدفعني إلى كتابتها، فهل كانت الأحداث تدفعني إلى الكتابة، أم أن ما أحمله من محبة للمدينة قد جاءت فرصته ليصبح تعبيراً بالكلمات وبناء الأحداث والشخصيات المتخيلة. وهكذا لعبت تلك الأيام الصعبة فرصة كتابة رواية لا أخفي أني أحببتها. كنت إذا دخلت بيتي في المساء لأشعل النور أجدها أمامي، وتظهر لي (الجدة وهوب) فجأة ولا تلبث أن تختفي، فهل ما زالت بداخلي، أم أني لم أشبعها روائياً. وتمر الأيام بعد ذلك لأدرك بأني لم أقدم بعد كمحب لمدينتي ما يجب أن يقدم لها، فحلب التي تكشف لي أنها سورية، لم أقم بواجبي نحوها. وبالرغم من النوايا الحسنة عندي وعند كتاب آخرين، فإننا لم نقم بعد بواجب رد الدين. المكان عند الروائي أو القاص أو المسرحي، هو مدينته. ومدينته هي وطنه، وبظني أننا لم نكمل بعد مشوارنا في الكتابة عنه. وسيظل هذا الإحساس بالذنب يلاحقنا، فلا نتخلص منه إلا باستكمال الإحاطة بالكتابة عنه وعن جمالياته وأخطائه، مزاياه وعيوبه. المحب الحقيقي بالخصائص الجيدة التي يريد لها أن تنمو وتتطور، وبالصفات السيئة التي يكشف عنها ويعاديها. آنذاك يكون المحب كاتباً بحق. |
|