تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


على كرسي الاعتراف

ملحق ثقافي
30/6/2009م
الياس الفاضل

أعترف وأنا حر طليق

وسلطتي مطلقة على إرادتي‏

ودون تعذيب‏

أو إكراه‏

أو ترهيب‏

أو ترغيب‏

ودون قمع‏

أو تنكيل‏

أو ركل بالنعال‏

بأني المسؤول الأول والأخير‏

عمّا حدث‏

وعمّا يحدث‏

وعما سيحدث‏

وإني أتقبل أي عقاب من غير تذمر‏

أو اعتراض‏

وانسوا قوانين إلغاء عقوبةالإعدام‏

التي وضعتموها باسم حقوق الانسان‏

فأعطيتم للمجرم حرية ارتكاب الجرائم دون خوف‏

اشنقوني إذا شئتم‏

أو اقطعوا رأسي بالمقصلة‏

أو بسيف ذي حدين‏

واتركوها تتدحرج بين الأقدام‏

أو اصلبوني‏

واتركوا جسدي في الهواء‏

طعاماً للكواسر والجوارح من الطيور‏

لأني خرّجت من بين أكمام قميصي‏

آلاف القتلة والمجرمين والسفاحين‏

ومن عبي‏

آلاف المرتزقة والمنحرفين والإرهابيين‏

ومن مدارسي‏

الآلاف من المشعوذين وعميان البصر والبصيرة‏

وأنفقت الأموال بلا حدود‏

لتفريخ قطاع الطرق ومروعي البيوت الامنة‏

ووزعت بلا حساب‏

الكتب الصفراء والسوداء‏

على المهووسين بالخرافات‏

ليهجروا البيت والزوجة والولد والأرض‏

طمعاً في مكاسب السماء‏

• • •‏

اعترفت أني وراء الأبواب المغلقة‏

أقترف ولا أزال أقترف كل أنواع الموبقات‏

وأمام عدسات المصورين‏

أرتدي مسوح التعبد والتقوى‏

وأتصدق على المساكين وأبناء السبيل‏

ببضع دريهمات لا توقف جوعاً‏

وإني استغليت بيوت العبادة‏

لتلميع صورتي‏

وتبييض وجهي البائس‏

وأعترف بأني تركت السيوف‏

لا تتوقف عن قطع الأيدي‏

عن قتل الأطفال والعجائز والأمهات‏

وسرقة أموال اليتامى والأرامل‏

وعن تعميم البغض والكراهية والحقد‏

بين أبناء الوطن الواحد...‏

وأني كنت أحرك الأتباع والمحاسيب‏

ليسلخوا جلود ووجوه الفقراء‏

ويحفروا القبور الجماعية‏

للحالمين برغيف الخبز والحرية‏

• • •‏

أعترف بأني أمرت بتأسيس الجمعيات‏

على اختلاف مسمياتها وأنواعها‏

وأسهمت بنفوذي وجبروتي‏

في تدفق الأموال عليها تدفق مياه الينابيع‏

كأسراب الجراد أتوا‏

تاركين الشيكات المصرفية‏

والأموال النقدية والذهب‏

وتاركين أيضاً بيوضهم قبل أن يرحلوا‏

وكلما غاب واحد منهم‏

والمقصلة لا تهدأ‏

عن فصل الرؤوس عن الأجساد‏

وإني اشتريت الآلاف من أشباه مسرور‏

ممن هم كتل صمّاء قائمة كالرصاص‏

كما اقتنيت آلاف المنافقين وشهود الزور‏

ليقرؤوا الفاتحة على أرواح هؤلاء المفقودين‏

• • •‏

أعترف بأني هدمت أسوار المدن الحصينة‏

وفتحت أبوابها للغزاة والمحتلين والعابرين‏

وأني المحرض الأول لإشعال الحروب الأهلية‏

والمذهبية‏

والدينية‏

وأني المسؤول عن تدمير الجسور والمصانع والمخابز‏

وملاحقة الهاربين من القنابل والصواريخ‏

وتخريب الحدائق وقتل العصافير‏

عن خطف الأرواح على الهوية‏

وعن سبي النساء‏

المحصنات منهن والعاهرات‏

فقّست البيوض ألف ألف‏

بسحناتهم المعروفة أتوا‏

وبسحناتهم المعروفة رحلوا‏

ومن البيوض يخرجون بسحناتهم المعروفة‏

كانت حركاتهم تسحرني‏

كما تسحر الشاعر حركة العصافير في البساتين‏

فأغدق عليهم الأموال بلا حساب‏

حتى امتلأت صناديقهم‏

وانتفخت جيوبهم وحساباتهم المصرفية‏

والآن أعترف‏

بأني أرتعب منهم‏

كما ترتعب غزلان البراري من الأسود‏

لأني لم أكن أتصور أن أذاهم سيصل إلي‏

وأنهم سيهزّون عرشي‏

اهتزاز القصب في الماء‏

• • •‏

عندما أخلد إلى النوم‏

تلاحقني الكوابيس‏

وتنزل بي السيوف والسكاكين‏

والسواطير تمزيقاً وتقطيعاً...‏

فأنتفض مذعوراً ومخنوقاً من الرعب‏

وأرقص كالديك المذبوح على سريري‏

فأبسمل‏

وأرش الماء على وجهي‏

ولكن ما أستكين كبحيرة‏

بعد ليلة عاصفة‏

حتى أصرخ في عتمة الليل‏

يا سيّاف‏

كم يداً قطعت؟‏

وكم رأساً عن جسدها فصلت؟‏

وكم عبداً أو سيداً أخصيت أو أجببت؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية