|
من داخل السور شهد القطر العربي السورية خلال العقود الأربعة الأخيرة تطوراً كبيراً على صعيد تنمية الموارد المائية واستغلالها. فأقيمت العديد من السدود, وأنجزت العديد من مشاريع الري المرتبطة بها, كذلك أنجزت العديد من مشاريع الإمداد بمياه الشرب والصرف الصحي التي غطت الغالبية العظمى من المناطق السكنية في المدن والأرياف. لكننا وبعد أن شارفنا على تنمية الغالبية العظمى من مواردنا المائية المتاحة بيسر, وأضحينا على وشك اللجوء إلى مصادر مائية غير تقليدية (كنقل المياه عبر الأحواض وتحلية المياه المالحة) لتغطية الطلب المتعاظم على المياه العذبة نتيجة النمو السكاني والتطور الاقتصادي والاجتماعي, فإن التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم هو إدارة مواردنا المائية على الوجه الأمثل, أي بتخصيصها للاستخدامات التي تعود بأكبر نفع على الاقتصاد الوطني والتي تضع في الحسبان الاعتبارات الاجتماعية والبيئية, خاصة بعد أن بدأت تظهر بوادر تنافس على المياه العذبة ما بين القطاعات المختلفة (الزراعي والبلدي والصناعي) وبالأخص في مواسم الشح. وبالتالي, فإن بناء القدرات البشرية في مجال إدارة الموارد المائية لهو أمر بالغ الأهمية ومن الطبيعي أن يحظى بعناية فائقة. ومن هنا جاءت فكرة إحداث معهد عال لإدارة الموارد المائية يُعنى بمختلف الأوجه المتعلقة بإدارة الموارد المائية, الفنية منها والاقتصادية والقانونية والبيئية والمؤسساتية. لقد ركزت جامعات القطر عبر السنين على إعداد مهندسين قادرين على التعامل مع مختلف المشاريع الهندسية, المائية وغيرها, غير أنها لم تولي بناء القدرات في مجال إدارة الموارد المائية الاهتمام اللازم. وأضحت جامعاتنا تخرّج مهندسين مائيين جيدين لكن ليس إداريين مائيين أكفاء. فالإدارة الجيدة للموارد المائية لا تتحقق بإشادة المشاريع المائية فحسب, بل يجب أن يسبق ذلك تقييم اقتصادي دقيق لهذه المشاريع, ولآثارها البيئية والاجتماعية, وأن تُبنى على تخطيط سليم لاستخدام الموارد المائية يُظهر العوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذه المشاريع ويضع في الحسبان بدائل الاستخدام الأخرى وفي كافة القطاعات. ولا بد وأن تتحقق شروط استدامة هذه المشاريع ليس من الناحية الفيزيائية فقط, بل أيضاً من حيث الاستدامة البيئية والمؤسساتية والمالية. وتلك هي تحديداً المهارات والقدرات الأساسية التي يتوجب على المعهد العالي لإدارة الموارد المائية بناءها وتطويرها. شكلت منذ عدة أعوام وبقرار من وزير التعليم العالي آنذاك, لجنة تأسيسية للمعهد تتألف من ممثلين عن وزارة التعليم العالي وجامعة دمشق وهيئة تخطيط الدولة وكافة الجهات العاملة في قطاع المياه, لدراسة إحداث المعهد ومتابعة عمل الجانب الألماني المكلف بوضع دراسة أولية لخطة الإحداث. ومن خلال الاجتماعات العديدة التي عُقدت والدراسات المتأنية التي قُدِّمت, راعت اللجنة التأسيسية للمعهد العالي ضرورة أن يتمتع المعهد بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية ليتمكن من أداء مهامه التدريبية منها والتعليمية. وقد ارتأت أن يعمل خارج نطاق الجامعات وأن يتبع مباشرة وزارة التعليم العالي على غرارِ المعهد العالي لإدارة الأعمال توفيراً لهذه الاستقلالية. فرسالة المعهد تتضمن, إلى جانب برامجه الأكاديمية (الماجستير والدكتوراه) وأغراضه البحثية, توفير برامج تدريبية وحسب الطلب لكافة العاملين في قطاع المياه الراغبين بتطويره كفاءاتهم في الإدارة المائية, وهذا يتطلب الاستعانة بالعديد من الخبراء المحليين والدوليين الأمر الذي يستلزم مرونة إدارية لاستقدام الخبراء والتعاقد معهم. إن العاملين في قطاعي التعليم العالي والمياه يشعرون بالامتنان الشديد للسيد الرئيس بشار الأسد الذي حوّل الحلم حقيقة, والتحدي الكبير اليوم هو في توفير كل الإمكانات اللازمة لتأمين حسن انطلاق هذا المعهد وتوفير مستلزمات نجاحه في أداء مهمته الوطنية. أستاذ في قسم الهندسة المائية ورئيس جامعة دمشق (عضو اللجنة التأسيسية للمعهد) |
|