|
شؤون سياسية ويتعقد المشهد أكثر فأكثر كلما اقتربت لحظة الاشتباك الدولي من الوصول إلى بعض المحطات الرئيسة التي لا يمكن للأطراف الفاعلة في صنع القرار الدولي تجاهلها أو القفز فوق ما أفرزته ميادين المواجهة في الحرب المفتوحة على سورية من نتائج تحولت من إطار التحليل والتوقعات المتقاربة حيناً والمتباينة حتى التناقض أحياناً أخرى إلى إطار الواقع المجسد حقائق حية قائمة على الأرض بغض النظر عن قبول هذا الطرف أو تلك القوة الدولية بما آلت إليه الأمور، وما تمخضت عنه ميادين الاشتباك التي جاءت بيادرها لتنسف كل حسابات من جهزوا الحقول وأعدوا متطلبات الوصول إلى المطلوب وتحقيق الأهداف المخططة بشكل مسبق، فالأسابيع والأشهر التي روجوا على أنها قدر لا مفر منه لتفتيت الدولة السورية استطالت إلى سنوات، والأحلام الوردية التي سوقوها لما ينتظر الشعب السوري من رخاء وازدهار تبين أنها ليست إلا شلالات الدم السوري المهدور على أيدي عصابات القتل والإجرام الممولة بعائدات النفط الوهابي، والمشمولة برعاية أمريكية مباشرة لها كمنتج ممهور ببراءة اختراع خاصة بالفكر التكفيري الذي صدَّر القاعدة ومشتقاتها لتكون أداة صالحة للاستخدام وفق مشيئة أصحاب المشروع التفتيتي، فتارة تُسَوَّقُ على أنها إرهابٌ يجب اجتثاثه، وتارة يتم تقديمها كرافعة لثورات مزعومة، وكل ذلك لا يخرج عما أفرزته مفاصل صنع القرار الأمريكي من استراتيجيات لهيمنة طويلة الأجل على القرار الدولي، وقد استطاعت تنفيذ ذلك بكل دهاء وحنكة إلى أن اصطدمت القاطرة الصهيو أمريكية بصخرة الصمود السوري المدعومة من بقية أقطاب المقاومة الرافضة لكل أشكال الذلة والخنوع، والمؤمنة بقدرة الشعوب على تجسيد إرادتها الحرة المتناقضة بالضرورة مع استراتيجيات أصحاب الرؤوس الحامية وأنصار الهيمنة وبسط السيطرة والنفوذ، فكانت المواجهة الحتمية التي أخذت أشكالاً متعددة بلغت ذروة التعقيد والخطورة في هذه الحرب المعلنة على الدولة السورية منذ آذار2011م. أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وهم يتحدثون عن اعتدال القتلة المأجورين، وظهر اعتدالهم على حقيقته بإقدام قطعان الإرهاب المصدر إلى سورية بارتكاب أفظع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، ولتجاوز ذلك كان لابد من تلميع صورة بعض مكونات ذاك الجسد الإرهابي وشيطنة بعضها الآخر، وهكذا تم وضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب لتبييض صفحة إرهابيي الميليشيات الإسرائيلية التي أسموها «الجيش الحر» لتقديمه كذراع عسكرية للمولود المسخ الذي اسمه مجلس اسطنبول، وعندما تبين عجزه قاموا بحله وإعادة تركيبه ومنحه اسما جديداً مع الحفاظ على مرجعيته وتابعيته التمويلية والتسليحية تحت اسم الائتلاف الوطني، وللإيغال أكثر في التضليل الاستراتيجي بدأ العمل على تسويق إئتلاف الدوحة على أنه يمثل الشعب السوري، لكن حبل الكذب القصير لم يسعفهم في إقناع حتى أنفسهم لتصديق مثل هذه الرواية الممجوجة، فسرعان ما بدأ المنتج الجديد بالتفسخ والتفكك الذاتي وبخاصة في ظل الانهيارات الدراماتيكية الشاملة التي ألحقها رجال الجيش العربي السوري بالعصابات الإرهابية المسلحة على اختلاف مسمياتها، فكان لابد من تغيير الواجهة القطرية واستبدالها بأخرى سعودية، وهكذا احترقت ورقة حمدي قطر الخائبين وأوكلت المهمة للإرهابي بندر بن سلطان الخبير بشؤون الإرهاب العابر لحدود الدول والقارات الذي تعهد بتغيير اللوحة في غضون أشهر، ولبلوغ ذلك كان لابد من فتح صنابير ضخ السلاح والمسلحين وكل أشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي التي لم تسفر إلا عن ارتفاع مستوى الإرهاب والجرائم المنفذة، وسقوط القتلى في صفوف العصابات المسلحة بالمئات بدلاً من العشرات يومياً، ومعظمهم لا يحملون الجنسية السورية، ومن بينهم قيادات ميدانية معروفة بتاريخها الإجرامي وخبراتها القتالية التي اكتسبتها في أكثر من دولة ضربها الإرهاب الوهابي التكفيري. أمام الواقع الجديد وجدت إدارة أوباما نفسها مضطرة لتقديم ما يقنع الرأي العام الأمريكي على الأقل، إذ من غير المعقول الاستمرار بالحديث عن مكافحة الإرهاب في العالم ودعمه في سورية، وبخاصة بعد أن اتضح للجميع أن عشرات الآلاف الذين تركوا أوطانهم لم يأتوا إلى سورية للسياحة، بل قدمت لهم كل التسهيلات للدخول بشكل غير شرعي إلى الأراضي السورية وحمل السلاح ضد الدولة والمواطنين بآن معاً، ويبدو أن الفكر الشيطاني الاستخباراتي المشرف على قيادة هذه الحرب المفتوحة على الدولة السورية قرر معاودة المحاولة لتلميع أحد مكونات الجسد الإرهابي لتعويمه وتقديمه على أنه يحارب الإرهاب، وفي ضوء هذا يمكن فهم وضع « داعش» على لائحة الإرهاب، وتجميع عدد ما المجموعات الإرهابية المسلحة تحت اسم الجبهة الإسلامية التي أعلنت الحرب على»داعش» بين عشية وضحاها، مع العرض أن عناصر هذه الجبهة الجديدة التي وصفوها زوراً وبهتاناً بأنها إسلامية قد ارتكبت أفظع الجرائم وأكثرها إرهاباً منذ أيام قليلة في عدرا العمالية، وأضافت إلى السجل الإرهابي لبقية العصابات المسلحة فصلاً جديداً وهو حرق الناس أحياء في الأفران، أي أن الفصيل الذي تم الاشتغال على تقديمه أنه يمثل الذراع العسكرية لائتلاف الدوحة لم يفلح في تنفيذ مهمته، ولم يعد بالإمكان الذهاب إلى جنيف 2 بورقة رابحة، فالائتلاف تفسخ وخسر أكثر من ثلث أعضائه، وحملة السلاح من الإرهابيين العاملين على الأرض لا يعترفون بالائتلاف ولا بغيره، والسقف العالي الذي أعلنته الواجهات المرتبطة بعدد من أجهزة الاستخبارات الخارجية تبين أنه ليس أكثر من فقاعات صابون، لأن أولئك جميعاً ليسوا أكثر من أدوات تقاد بالريموت كونترول، فعندما تلقوا الأمر بالاجتماع وتغيير موقفهم سارعوا واجتمعوا وابتلعوا كل اللاءات التي رفعوها قبل أيام في باريس ضمن اجتماع أعداء الشعب السوري، والسؤال الموضوعي الذي يطرح نفسه هنا هو : كيف لمن لا يمثل حتى نفسه أن يكون ممثلاً للشعب السوري؟ وكيف لفاقد الكرامة والسيادة أن يحافظ على كرامة وسيادة وطن الأبجدية الأولى؟ وماذا يعني ارتفاع الصوت الأمريكي النشاز قبل أيام من موعد جنيف 2 وتكرار المحاولة بدس الأنف وإصدار أحكام مسبقة باسم الشعب السوري صاحب الحق الحصري في اختيار حاضره ومستقبله؟؟ وهنا لابد من التذكير بأن جنيف 2 هو استمرار للحرب المفتوحة على سورية لكن بطريقة أخرى، وواهمٌ من يظن أن بإمكان أطراف التآمر والعدوان أن يحصلوا بالسياسة على ما عجزوا عن بلوغه بالعدوان العسكري الذي امتد قرابة ثلاثة أعوام، ومن حق كل مواطن سوري أن يفخر بأن الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة استطاعت تكسير أنياب الإرهاب وخلع مخالبه المسمومة وتهيئة البيئة الإستراتيجية المناسبة ليكون جنيف 2 محطة دولية لمحاربة الإرهاب العالمي والبناء على ما أنجزه رجال الجيش العربي السوري من ملاحم وخبرات في مواجهة الإرهاب والإرهابيين. |
|