تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خطة أولمرت.. للانطواء أم للتمدد?!

شؤون سياسية
الأحد 30/4/2006
أحمد حمادة

تمكنت إسرائيل عبر ممارسة أساليب العدوان والاحتلال والقتل والارهاب وفرض سياسات الأمر الواقع من قضم معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمها إلى كيانها العنصري.

وهي تحاول اليوم, ومن خلال ما يسمى بخطة (الانطواء) التي يبشر بها ايهود أولمرت وحزبه المتطرف (كاديما) سرقة نصف أراضي الضفة الغربية المحتلة وضمها إلى كيانها دون أن تعير أي اهتمام لقرار مجلس الأمن 242 ولبقية قرارات الشرعية الدولية.‏

ولعل المفارقة الصارخة في سياسة الأمر الواقع التي تسير إسرائيل على دروبها منذ قيام كيانها وحتى اليوم أن الفلسطينيين لن يجدوا أمامهم في نهاية المطاف إلا جزءاً صغيراً جداً من مساحة فلسطين التاريخية مقطع الأوصال, ما يجعل امكانية إقامة الدولة المستقلة أمراً مستحيلاً.‏

وللدلالة على خطورة هذا الواقع نشير فقط إلى أن إسرائيل لو انسحبت من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967ونفذت قرارات مجلس الأمن حرفياً, فإن الفلسطينيين سيقيمون دولتهم على مامساحته 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية.‏

والسؤال هنا: ما حجم الأراضي التي ستبقى لهم في حال طبق ايهود أولمرت خططه وانسحب من نصف مساحة الضفة الغربية فقط لا غير كما تنص برامجه المعلنة في ما يعرف ب (خطة الانطواء)?!‏

بالتأكيد سيكون الرقم مفزعاً بالنسبة للعرب والفلسطينيين لأن الأراضي التي ستخضع للسيادة الفلسطينية آنذاك لن تتجاوز العشرة بالمائة أو ربما أقل بقليل من هذا الرقم, فأي خطة عدوانية يبيت لها أولمرت?! وهل هي للانطواء حقاً أم للتوسع والتمدد والعدوان?!‏

لقد أصبحت الخطوط العريضة لهذه الخطة الجهنمية واضحة وضوح الشمس في عز الظهيرة فهي ترمي إلى رسم حدود الكيان الإسرائيلي بتصرف (أحادي الجانب) أي من دون العودة من جهة للقرارات الدولية, ومن جهة أخرى من دون التشاور مع الفلسطينيين أو التفاوض معهم على ماهية هذه الحدود ومساراتها.‏

فجوهر هذه الخطة إذاً يقوم على فرض سياسة الأمر الواقع وضم نصف أراضي الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي واعتبار جدار الفصل العنصري هو الحدود النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.‏

وفي الواقع فإن خطة أولمرت لا تعدو كونها نسخة طبق الأصل عن خطة شارون للفصل الأحادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين, والتي طبق الفصل الأول منها حين انسحب بشكل أحادي من قطاع غزة المحتل لكن تبقى المفارقة المثيرة للاستغراب والاستهجان معاً في مواقف الولايات المتحدة الأميركية من هذه السياسات التي تزيد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.‏

فمن يستمع إلى الرئيس الأميركي جورج بوش وإلى وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وهما يتحدثان عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لابد أن يتساءل عن سر هذه العبارات التي تؤكد على الدولة المستقلة مع أنهما يذهبان في الاتجاه المعاكس عندما يشدان من أزر أولمرت ويلمحان له صراحة بدعمهما لخطته الانطوائية.‏

فهل يستطيع بوش ورايس بعد الآن اقناع العرب أو الفلسطينيين بحرصهما على الدولة المستقلة وهما يتحدثان علناً عن صحة الموقف الإسرائيلي المتمثل بالانسحاب الاحادي ورسم الحدود دون العودة للقرارات الشرعية أو التفاوض مع الفلسطينيين بل وفق ما تقتضيه المصالح الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية?!‏

لقد كان يمكن للرئيس الأميركي ولوزيرة خارجيته أن يكونا أكثر مصداقية فيما لو عارضا صراحة مثل هذه السياسات التي تؤسس لمرحلة جديدة من التوتر وانعدام الأمن والمواجهة بين من يحتل الأرض ومن يدافع عن حقه في تحرير أرضه واستعادة حقوقه المغتصبة.‏

والحقيقة إن هذا الموقف الأميركي ليس جديداً أو استثنائياً بل هو حالة تكاد تكون عادية في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي -الإسرائيلي.‏

وعلى سبيل المثال لا الحصر كان بوش نفسه قد تلقف عملية انسحاب شارون من قطاع غزة المحتل واعتبرها خطوة إيجابية كبرى على طريق السلام وكافأه بخطوة بالغة الخطورة في انتهاكها للشرعية الدولية حين وافق على ابقاء المستوطنات الإسرائيلية في مكانها ورفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم تطبيقاً للقرار (194).‏

وبهذا المعنى أصبح موقف الإدارة الأميركية من الحقوق الفلسطينية يتماهى تماماً مع الموقف الإسرائيلي وإلا ما معنى أن تصر هذه الإدارة على أن تعترف حكومة حماس بإسرائيل في الوقت الذي لا تعترف فيه هذه الأخيرة بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني?!‏

وما معنى أن تطالب هذه الإدارة الفلسطينيين بالالتزام بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ولا تطلب من هذه الأخيرة تنفيذ أي التزام بما وقعت عليه حتى الآن?!‏

وما معنى أن تطالب حماس بتسليم أسلحتها في الوقت الذي يعيث فيه جيش الاحتلال فساداً في الأراضي الفلسطينية مستخدماً كل صنوف الأسلحة الثقيلة والخفيفة?!‏

إن المطلوب اليوم من الإدارة الأميركية هو حسم مواقفها تجاه خطوات أولمرت الاحادية التي تناقض قرارات الأمم المتحدة لا أن تدعمها وتتستر عليها.‏

كما أن المطلوب من بقية الأطراف الدولية ألا تجاري الموقف الأميركي في حصار الشعب الفلسطيني, وأن على الجميع عدم اضفاء المصداقية على تصريحات أولمرت التي قال فيها إنه مستعد للتنازل عن اجزاء من الأرض من أجل قيام دولة فلسطينية لأن هذه الأرض بالأساس ليست ملكاً للكيان الإسرائيلي حتى يتنازل عنها وإنما هي أرض فلسطينية احتلت عام 1967 وتدعو قرارات الأمم المتحدة الصريحة للانسحاب منها دون قيد أو شرط.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية