|
الصفحة الاولى ليس مجرد سعي الى امتلاك اوراق تفاوضية ، بل انه تحرك مسير برغبة وطموح الى تحقيق الحلم الذي من اجله انطلق العدوان وهواسقاط سورية ومراجعة خريطتها الاستراتيجية في سياق مراجعة لخريطة المنطقة كلها. ولاننا لا نتقبل بسهولة فكرة تمرد العبد التابع على السيد الامر خاصة مع اميركا ، لذلك كنا ننظر الى افعال التابعين باعتبار انها الفعل والارادة الحقيقية للسيد الاميركي ، وان المواقف السياسية والكلامية لاميركا هي نوع من التنصل اللفظي من المسؤولية المترتبة على افعال الاجرام الارهابي الذي تمارسه المجوعات المسلحة المشكلة بذاتها وبقيادة اميرية الجيش الخفي الاميركي العامل في سورية. لكن شيئاً ما ظهر في الاسابيع الاخيرة، وكان ميدانه في كل من العراق وسورية ولبنان، وكانت مواقف واضحة من الاميركيين تنبئ بان هناك سياسة اميركية مطورة مغايرة للنهج الذي طبع السياسية الاميركية في المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل عام وخلال السنوات الثلاث الاخيرة بشكل خاص وبالتحديد حيال سورية وحيال كل من يقدم لدولتها الشرعية دعما او مساعدة لتخطي المحنة والصمود في وجه الاعصار العدواني. ففي لبنان كان الموقف الاميركي حاسما بوجه من اراد تأليف حكومة امر واقع تستبعد حزب الله من صفوفها عملا بخطة بندر بن سلطان التي وضعت للبنان من اجل تفجيره ومحاصرة المقاومة التي ينظمها حزب الله وحمله على الانكفاء عن سورية حيث يخوض معارك دفاعا عن نفسه وعن محور المقاومة. وكان الظن السعودي ان الضغط على حزب الله سيجبره على الخروج من سورية مقدمة لترجيح كفة الارهابيين وتمكينهم من تحقيق اهدافهم الميدانية، لكن التدخل الاميركي حرم المجموعات المسلحة من هذه الفرصة بشكل او بآخر حسب ظنونهم. وفي العراق كان الموقف الاميركي قاطعا في تأييد الحكومة العراقية في حربها ضد الجماعات الارهابية في الانبار، ثم في تقديم الدعم المتعدد الوجوه ماديا وسياسيا من اجل التصدي لتلك الجماعات. وقد فتحت اميركا ابواب مستودعاتها العسكرية لتزويد الجيش العراقي بالطائرات والمدافع والصواريخ والعربات والاسلحة الخفيفة والمتوسطة من اجل تعزيز قدراته القتالية بوجه تلك الجماعات. والكل يعلم مدى التأثير السلبي لهذا السلوك على اعمال المجموعات الارهابية في سورية. فما يسمى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) هي نفسها التي تقاتل في العراق وسورية في الان نفسه، وان تحقيق انجازات لها في العراق ينعكس ايجابا على عملها في سورية والعكس صحيح، وبالاضافة الى ذلك لا يخفى على احد موقف الحكومة العراقية برئاسة نور المالكي المؤيد للحكومة السورية القائمة في حربها ضد الارهاب وبالتالي فان تأييده اميركيا يجب ان يفسر من خلال هذه الحقيقة ايضا. اما في سورية، فقد كان ملفتا اعلان اميركا قرار وقف امداد الجماعات المسلحة بالسلاح الذي اسمته اميركا «بالسلاح غير الفتاكة» ( وهي تسمية تنم بطبيعة الحال عن النفاق والخداع الاميركي فالسلاح لا يكون للزراعة والتنمية الاجتماعية ؟! ) وما استتبع ذلك من تدابير غربية توحي بان فيها شيئاً من التضييق على الارهابيين كما حصل بالنسبة لادراج بعض مموليهم على اللائحة الاميركية السوداء اوكما تم في بريطانيا لجهة سحب الجنسية الانكليزية ممن يقاتل في سورية في صفوف الجماعات المسلحة. وبعد ذلك توجت هذه المواقف والسلوكيات بموقف اميركي علني ب«الضغط» على ما يسمى الائتلاف السوري «للمشاركة في جنيف2. (وهوالتجمع الذي نسجته اميركا ليستوعب من تسميهم معارضة سورية ولتعتمدهم لاحقا منظومة تحكم سورية بواسطتهم على غرار ما تعتمده في الخليج من خلال منظومة حراس المصالح الاميركية من اشخاص تطلق ليهم تسميات مشايخ وامراء وملوك). وهنا لا بد من التذكير بان هذه الصنيعة الاميركية هي تجمع من الانتهازيين المأجورين الذين يعملون بذهنية الارتزاق السياسي والمختلفين على كل شيء تقريبا ولا يجمعهم الا شهوة السلطة والجنس و الاستثمارات المالية وغيرها من المكاسب المادية التي تؤمن اصولها من خزائن النفط العربي في الخليج. ونتوقف هنا عند هذا «الضغط « الذي مورس على هذا المنتج الاميركي القابع في استنبول والمنقطع عن الحقيقة والمنفصل عن الواقع، نتوقف خاصة عند اسلوب ممارسة هذا الضغط والكيفية ووسائل التهديد، ونجد كيف ان فورد – السفير الاميركي في دمشق والقائم خارجها - اذل هؤلاء عندما رفع بوجه كل منهم بطاقة حمراء تحتوي على موبقاته التي تسجلها اميركا يوما فيوما لتبتزه بها عند الحاجة، فهذا تذكره بالمال الذي دفع له من اجل محكمة جنائية ومكتب فخم يراجع منه شؤونها وذاك تذكره بمال دفع له فاستثمره في ثراوته العقارية والاسهم في الشركات وذاك تبلغه بان لديها من التسجيلات وافلام الليالي الحمراء ما يدمره على اي صعيد في حال نشر.. وتلك تذكرها بما كان من امرها مع فلان وفلان... والنتيجة ينصاع الجميع للقرار الاميركي بالذهاب الى جنيف دون شروط مهما كانت تلك الشروط التي اعتاد هؤلاء اجترارها في موقعهم المنفصل عن الواقع كما ذكرنا... مع هذه الوقائع والحقائق بات المرء مدفوعا الى تصديق رغبة اميركا بحل سلمي في سورية رغم ما يجب ان يبقى عليه من التحفظ في هذا الشأن، ونقول بالميل الى لتصديق لان هناك عناصر تقرأ في كتاب آخر لا دور لاميركا في كتابة فصوله، لا بل ان محتوى الكتاب مفروض على اميركا رغم ارادتها، ومن هذه الفصول نقرأ: 1) في الميدان السوري: في حربها الدفاعية تمكنت سورية اولا من الصمود ثم استيعاب الهجوم العدواني عليها ونجحت في المواجهة في سياق الحرب من الجيل الرابع التي استعملت فيها وعلى امتداد سنين ثلاث جماعات ارهابية عقائدية تستسهل الموت الذي يقودها الى الجنة وفقا للتحريف الذي مارسه رجال افتاء انتحلوا الاسلام واحدثوا البدع فيه. وبعد الاستيعاب تمكنت سورية وبخطة ميدانية ممنهجة استطاعت سورية ان تتابع الدفاع باسلوب الهجوم المعاكس وتطهر كثيرا من المناطق الاستراتيجية التي كان قد اختل امنها بفعل المسلحين، ثم تابعت سورية العمل الميداني الى الحد الذي جعل التفكير بامكانية اسقاطها في الميدان هوضرب من الحمق والجنون. 2) في لبنان: توصلت اميركا الى قناعة تامة بان قدرات المقاومة ليست بالحجم الذي يمكّن خصومها من محاصرتها اوتطويقها، وان المقاومة التي تمتنع حتى الان عن استعمال شيء من هذه القدرات في الداخل، لا يمكن ان تستمر على هذا السلوك والاحجام، إن تهدد وجودها أو دورها في لبنان اوعلى صعيد محور المقاومة، واذا تحركت المقاومة اليوم للدفاع عن نفسها ومحورها في لبنان فانها لن تتقيد بخطوط حمر ولن تقف عند حدود يرسمها الآخر بل انها ستقوم بما يجب من اجل تعطيل الشر واجتثاث مصادره، وفي هذا الامر بالذات يكمن الخوف الاميركي من أن يؤدي تحرك المقاومة الى انهيار كل حلفاء اميركا في لبنان وتاليا تعطيل اواجتثاث كامل النفوذ الاميركي فيه. وعلى ضوء هذا الخوف نفهم الموقف الاميركي الذي تمثل بالقول «بين الحكومة والاستقرار نختار الاستقرار لانه اهم» وهوما واجهت به اميركا مساعي تشكيل حكومة يقصى حزب الله عنها. 3) اما في العراق، فانه لا يمكن تجاوز الموقف الذي ابلغه الرئيس المالكي لاميركا وقد كان صريحا جدا في هذا الشأن واتخذه مستندا على واقع العلاقات والتوزانات الاقليمية القائمة حاليا على كامل المسرح الاستراتيجي الاوسط وفقا للتسميات العسكرية الاميركية، موقف تمثل بتخيير اميركا بين الجماعات الارهابية في الانبار ومصالحها في كامل العراق واكثر تحديدا في المنطقة الجنوبية وبغداد، خاصة بعد ان اظهر المالكي مخاطر تلك الجماعات على تلك المصالح وعلى الواقع العراقي بشكل عام. وكما اختارت اميركا الاستقرار في لبنان اختارت من اجل مصالحها محاربة داعش في العراق مع ما لهذا الاختيار من تأثير سلبي على اعمال الارهابيين في سورية. 4) والادهى بالنسبة لاميركا والغرب هوما بات الحديث عنه من ارهاب يخرج عن السيطرة الاميركية والغربية ويقتحم عليهم الدار من حيث لا يقدرون اتقائه. على ضوء ذلك ومع بعض التحفظ بتنا نجنح الآن للتصديق بأن اميركا اصبحت تعمل فعليا من اجل الحل السلمي في سورية لتؤكد به السير قدما في حقبة التسويات والحلول في المنطقة لان العكس اي الحلل العسكري غير ممكن لديها بعد الفشل والاخفاق وتناحر الادوات وتآكلها، وإن المكابرة هنا ستؤذي مصالحها، ولهذا نرى ان المعركة الفعلية الآن حول سورية باتت معركة سياسية يزخمها الميدان لان اميركا في طباعها تعشق التفاوض تحت النار والتهويل ولهذا يبدو أن الحاجة للميدان ستبقى قائمة ومستمرة بشكل واضح مع تغير في الوظيفة والدور...وهنا تبدوالاهمية البالغة لدور الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الاشهر الستة المقبلة بشكل خاص. |
|