تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اليونان ومواجهة خطر الخروج من منطقة اليورو

شؤون سياسية
الأربعاء 23-5-2012
توفيق المديني 

لا تزال الأنظار في أوروبا ، وحتى في العالم ، متجهة نحو اليونان ، من جراء الأزمة البنيوية العميقة التي يتخبط فيها هذا البلد.ففي اليونان ليست الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن انتهاج الحكومات اليونانية المتعاقبة سياسات التقشف المفروضة

من الجهات الدائنة لليونان ،منذ سنتين ، وحدها المتسببة لمرض هذا البلد الأوروبي، بل أيضاً الأزمة السياسية.‏

فعلى الرغم من توجه اليونانيين إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد 6 مايو الجاري، لانتخاب برلمان جديد، بعد ستة أشهر من الكارثة السياسية التي قادت إلى استقالة رئيس الحكومة اليونانية الاشتراكي جورج باباندريو ، و استبداله بنائب رئيس البنك المركزي الأوروبي السيد لوكاس باباديموس الذي تزعم التحالف الصعب ، في الأشهر الأخيرة ، فإن الأحزاب اليونانية على اختلاف مرجعياتها السياسية من اليساريين المتطرفين مروراً بالاشتراكيين ووصولاً إلى اليمين الليبرالي ، لم تتوصل إلى تشكيل حكومة جديدة، بسبب الانقسام الحاصل في البلد حول سياسة التقشف.‏

وكان اليونانيون قد صوتوا في 6 أيار الماضي ،للأحزاب الراديكالية اليسارية واليمينية، التي أكدت بعد صدور نتائج الانتخابات رغبتها في إعادة التفاوض أو تعديل أو التنصل من خريطة الطريق المفروضة على البلاد من قبل الاتحاد الأوروبي «وصندوق النقد الدولي ».‏

واتسمت نتائج الانتخابات الأخيرة،بالاختراق الكبير الذي حققه حزب سيريزا اليساري المتطرف بزعامة اليكسيس تسيبراس، الذي أصبح الحزب الثاني في اليونان بحصوله على 47 مقعداً، أي بنسبة 16في المئة من الأصوات، في مقابل 4.9في المئة عام 2009.و يطالب هذا الحزب بتجميد خدمة الدين العام و إلغاء قسم من الدين العام و إضافة بند في الاتفاق العام يتعلق بالنمو . أما المفاجأة الثانية في الانتخابات اليونانية الأخيرة، فتمثلت في دخول حزب«خريسي أفغي» (الفجر المذهب) البرلمان للمرة الأولى في تاريخ اليونان الحديث، بعد حصوله على نسبة ما بين 6إلى 8 في المئة من الأصوات. و من المعروف عن هذا الحزب النازي الجديد، أنه يعادي المهاجرين ، و يرفض إيفاء الدين العام من جانب اليونان طبقاً للمذكرة التي وقعتها مع الجهات الدائنة. و يشكل دخوله إلى البرلمان صدمة كبيرة في بلد عانى كثيرا من الاحتلال النازي ، ومن الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت اليونان من سنة 1967 ولغاية 1974.‏

وقد أطاحت سياسة التقشف بالحزبين الرئيسيين في اليونان ، وهما حزب الديمقراطية الجديدة ، وحزب «الباسوك» الاشتراكي.فقد حصل الحزب اليميني المحافظ، على 108 مقاعد من أصل 300مقعد في البرلمان اليوناني ، واحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكن هذه المرتبة الأولى في نظر المحللين تعتبر هزيمة، لأن هذا الحزب لم يتجاوز سقف 19 في المئة من الأصوات مقابل 33.5في المئة في عام 2009.فتحوله بنحو 180 درجة من المذكرة بشأن خطة التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان من أزمتها الاقتصادية ، قوبل بعقاب من الناخبين .‏

و مني حزب « الباسوك»الاشتراكي بهزيمة نكراء ، إذ حصل على 41 مقعدأً، أي على نسبة 13.22 في المئة من الأصوات، مقابل 43.9في المئة في عام 2009.وقد عاقب الناخبون اليونانيون هذا الحزب بسبب قبول زعيمه السابق جورج باباندريو شروط التقشف السابقة التي فرضت عليه من أجل الحصول على قرض من الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي في مايو 2010 .‏

و في المحصلة النهائية أخفق هذان الحزبان التقليديان اللذان يشكلان دعامة النظام السياسي القائم في اليونان منذ سقوط الديكتاتورية العسكرية في عام 1974، في الحصول على نسبة الـ37في المئة من الأصوات الواجبة للحصول على غالبية المقاعد في البرلمان المؤلف من 151 مقعداً، إذ لم يحصلا مجتمعين سوى على نسبة 33 في المئة من الأصوات (مقابل 77 في المئة في عام 2009)و على 149 مقعداً من أصل (300 مقعد).‏

وقد أخفق حزب «الباسوك» الا شتراكي بزعامة إيفانجليوس فينيزيلوس، الذي احتل المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، تأليف حكومة ائتلافية، بعد امتناع أليكسيس تسيبراس، زعيم حزب«سيريزا» اليساري المتطرف الذي يعارض بشدة سياسة التقشف المفروضة من الجهات الدائنة لليونان .‏

و لماكان المشهد السياسي اليوناني مقلقاً للغاية، في ظل العجز القائم عن تشكيل حكومة يونانية جديدة قادرة على إدارة الأزمة، أو الإسهام في حلها، و الأسباب متعددة في ذلك ، منها ماهو متعلق بصعود طبقة سياسية جديدة من «المتطرفين» اليساريين ، و«النازيين الجدد»، الرافضين أساساً التعاون فيما بينهما، و منها ما يتعلق بالانقسام الشديد الحاصل بين مختلف الكتل البرلمانية حول خطة التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية،فقد اختار الرئيس اليوناني كارولوس بابوليوس القاضي باناغيوتيس بيكراميتوس ليرأس الحكومة الانتقالية التي ستوكل إليها مهمة إجراء انتخابات جديدة في 17 حزيران المقبل .و ستكون هذه الانتخابات الثانية في أقل من شهرين ، و تعتبر حاسمة لمستقبل البلاد الاقتصادي ، نظراً إلى تصاعد التأييد لليسار و الأحزاب المتطرفة المعارضة لإجراءات التقشف الواردة في خطة المساعدة الدولية لليونان التي اعتمدتها الجهات الدائنة لليونان ،و هي الاتحاد الأوروبي، والمصرف المركزي الأوروبي ،وصندوق النقد الدولي.‏

و يتوقع المحللون الأوروبيون أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى تكريس نجاح الأحزاب المعارضة لسياسة التقشف، الأمر الذي سيفتح الباب مجدداً على حال من التساؤلات حول وضع اليونان داخلياً و أوروبياً. وكان وزراء المال في دول الاتحاد الأوروبي ال17 التي تعتمد اليورو، قد اجتمعوا في بروكسيل يوم 14 أيار الجاري ، ووجهوا رسالة حازمة إلى اليونان الذي يواجه صعوبات في تأليف حكومة منذ 6مايو الجاري،تذكر هذا البلد بأنه لن يتسلم قرشاً واحداً قبل تطبيق الإصلاحات التي طالبت بها الجهات الدائنة، أي الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي.و أكد رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، أنه في حال عدم احترام الاتفاقات، «فإن الشروط لن تتوافر لمواصلة العمل مع بلد لا يحترم التزاماته»، متحدثاً عن خروج اليونان من «نادي» اليورو. وهي رسالة ردّدها كثير من المسؤولين الأوروبيين هذا الأسبوع، لا سيما في ألمانيا.‏

رغم أن القمة التي جمعت بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل و الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أكدت على رغبة البلدين الأوروبيين الكبيرين بقاء اليونان في منطقة اليورو،فإن‏

الأوروبيين ينظرون إلى تداعيات أزمة الديون اليونانية بكثير من القلق، مع انتشار المخاوف في أسواق المال العالمية من مواجهة أعضاء في منطقة اليورو،ولاسيما البرتغال واسبانيا، مشكلات مالية مشابهة لليونان التي تعدت قيمة ديونها  350 مليار يورو، وبلغ عجز موازنتها العام الماضي121.7في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وباتت معرضة لاضطرابات اجتماعية واسعة، وهو ما أرخى بثقله على اليورو نفسه   الذي خسر نحو ستة في المئة من قيمته منذ يناير 2011 بعد خفض وكالات التصنيف العالمية التصنيف الائتماني لليونان .‏

ويظل خطر خروج اليونان من منطقة اليورو خياراً مفتوحا، لا يمكن تجنبه ، لتدخل البلاد التي لا تملك هامش مناورة يسمح لها بعدم احترام التزاماتها،فيما بعد في أراض مجهولة.‏

كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية