تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حوافز الموت بين الهدف المقصود والهدف الممكن

شؤون سياسية
الأربعاء 23-5-2012
بقلم: د. أحمد الحاج علي

إنها معركة العصر بما في العصر الراهن من خصائص ومقومات وقوى تتوزع ما بين يقين السلام والشرود الذي ينتهي إلى حد المواجهة للخالق ولقيمه على الأرض، ونستدرك مباشرة أن صراعاً كونياً كالذي يستغرق حياتنا كلها لايمكن له أن يصدر من فراغ وأن يصب في الفراغ ومن هنا

فإن كل صيغ وأساليب العدوان على سورية موسومة بكونها مقصودة مرصودة تعبر عن إرادة تتقاطع وتتفاعل عند هدف محدد هو تدمير سورية أعني نسف هذه الدولة، تحطيم مقوماتها التاريخية الإطاحة بنسق القيم الحضارية المتمثلة بالوعي وبالنزعة الإنسانية ومواكب الشهداء.‏

كل ذلك في مسعى لكي تتحول سورية من موقع بموقف إلى مجرد مساحة من الأرض وكميات من البشر وعندها تلتحق سورية بموكب الانهزام وتتحول إلى مصدر يدين نفسه في كل مراحل تاريخه ويقدم آيات الولاء والوفاء للقوى الاستعمارية ويتنازل عن الأرض للعدو الصهيوني ويحول منابر الإسلام والمسيحية ومعاهد العلم والمعرفة إلى منصات تنطق وتقرر بما تريده القوى الحاقدة على مستوى العالم كله، إذاً فلنلتقط هذا المعنى حتى لا نضل ولا ندخل في غياهب وتعريجات التأويلات العابرة والتفاسير الملفقة لما يجري علينا في سورية.‏

والقاعدة هنا تقول على قدر عظمة سورية وعدالة موقفها ومشروعية بنائها الحضاري على قدر ذلك كله تأتي المؤامرة الجريمة الراهنة والتي تحمل في مضامينها وآليات حقدها صفات ثلاث متعانقة.‏

أولها أن المؤامرة شاملة وعميقة وهذا جوهر الاستهداف لسورية الوطن والتاريخ والموقف الآن، وثانيها أن الهدف منذ إقراره وامتداداً إلى نهاياته إنما يقوم على قاعدة إفناء مقومات الحياة الكريمة والمتوهجة في سورية وقتل الإنسان على هذا النحو هو الرافعة لتحقيق هذا الإفناء واستهداف الوطن بأي موقع وفي أي لحظة زمانية إنما يدل على ذلك أيضاً، إن المطلوب صار واضحاً يتجاوز الذبح والتفجير ويتدرج لكي يعمم فكرة الهدم والإفناء لبلدنا وهذا من شأنه أن يجعل عقولنا وعواطفنا تتجه نحو التوصيف الموضوعي والتحليل العميق والمواكبة في التفكير والسلوك لكل ما يجري بمستوياته وقواه وأساليب عدوانه على الوطن.‏

وأما ثالثها من الصفات وهو ثالثة الأثافي كما يقال في الموروث العربي بل ثالثة الأفاعي كما يستدرك العقل السليم وهو يتابع الحدث هذا الثالث هو أن يتم اغتيال الوطن بأيد بشرية يبدو بعضها من الداخل السوري جغرافياً ومن خارج الوطن أخلاقياً ويبدو بعضها الآخر قادماً من مواقع العفن والنار والسموم المخزونة عبر تنظيمات تتفرع جميعها عن الإرهاب الديني والتحجر العقائدي وقد تمحورت جميعها حول تنظيم القاعدة ذلك المستحدث الأميركي الصليبي أيضاً وحول اتجاهات السلفية والوهابية وتوزعات الإخوان المسلمين.‏

ولنلاحظ كلهم من بني البشر في وجودهم العضوي وكلهم خارج منظومة البشر في سلوكهم في اعتناقهم للذبح والموت وفي الرد على الله والتصدي له حيث يقول (وأنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) والمهمة جشعة وواضحة لهذه المجموعات لا تقيم وزناً للإنسان ولا تتذكر أن له كرامة وهي ترتمي بأحضان الصهيونية والغرب إنها تعرف ولكنها تستمتع إلى حد السادية بالتصدي لله والتصدي لرسوله حيث جعل نقطة الدم الواحدة تساوي الكعبة والسموات والأرض، والانحراف بالتأكيد لا يتجزأ ومقوماته تتشابك لتنتج سموماً وأحقاداً وممارسات يندى لها الجبين ويهتز منها عرش الله في عليائه، والجهة التي تخطط والتي تمول والتي تغطي والتي تقترف الإثم والفعل الحرام هي واحدة في أصولها وقنوات شرها وجملة أهدافها التي تنز دماً وظلاماً واستهانة بأرواح البشر.‏

من هنا كانت الصفة الكونية للحرب القائمة على سورية، إنه الغرب الاستعماري بشقيه الأميركي والأوروبي وفي جوهره الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي والماسونية وتشكيلات شاذة صناعية ومالية وفكرية وإعلامية وثقافية هي التي تحكم العالم الآن وهي التي تقرر من يجب تقطيع أوصاله وتدمير أجياله في هذه اللحظة أو تلك، والأدوات للتنفيذ هي تركيا أردوغان وأوغلو ومن منا لديه ذكرى واحدة طيبة عن الاستعمار العثماني لوطننا الكبير ومن منا لا يعرف ويتعاطف مع ملايين الأرض الطيبين الذين تعرضوا للمذابح الجماعية في تركيا فصارت ذاكرتهم حية بمقدار ما فيها من ألم وموت، ومن ينسى لواء اسكندرون وولاية هاتاي السوريتين دماً وتاريخاً وحضارة وأصلاً ومن منا لا يعيد قراءة التاريخ ليرى كم كلفت الدنيا هذه النزعة الاستعمارية السلجوقية العثمانية من حروب إقليمية وحروب عالمية. وفي ركاب هذه الأدوات تدخل السعودية بلاد العرب والحجاز وقد اغتصبها قطاع الطرق وحثالة البشر من عائلة آل سعود وفي قاطرة سوداء يلتحق كيان يدعى قطر فيه نفط وغاز وفيه جزيرة وآل ثاني وفي انتماء مجهول وأحقاد تفيض عن حجم الجزيرة وطاقتها ولكن الذين يبست قلوبهم ومرضت نفوسهم وقد سرقوا موارد الحياة كما خلقها الله يسوغون لأنفسهم أن يصطنعوا دور الأهمية والمهم والأدوات كلها بمن يخطط وينفذ ويمول إنما انبثقت أساساً من قاعدة الإرهاب، ومن هذا الشذوذ السياسي والنفسي الذي زين لهم أن القتل دون تمييز ودون توقف هو الطريق لكي يدمروا سورية الوطن والتاريخ والإرادة، ألم نقل بأنها معركة الحياة في كل فصولها وأصولها وقصة هذا العصر في كل ما سوف يتمخض عنه الصراع، ولندقق فيما يجري من وقائع وقد سخروا لها الخارجين عن القانون وقطاع الطرق والزناة والعصاة والخونة ومعتنقي الجريمة وهواة تقطيع الأوصال والنشوة برائحة الدم الحرام، لندقق في ذلك ولنحاول أن نتطور مع الجريمة بإحداثياتها فنرى في هذه اللحظة أن الإرهاب انتقل من مرحلة اختيار الهدف المحدد إلى مرحلة الإطباق على أي هدف ممكن والممكن منتشر بمساحة الوطن والمعذبون في الأرض المعمرون للدنيا هم الوقود وهم الضحية، إنها لحظة الهذيان وقد أحاطت بالمجرم وقدمت ممارساته على أنها دخلت موسوعة غينيس بتفوقها على كل جرائم التاريخ المعروف والمجهول.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية