تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


براد بري . . مسافر عبرالخيال العلمي

كتب
الأربعاء 23-5-2012
ولد ري برادبري في مدينة دوكيكان من مقاطعة الينويز الأمريكية عام 1920، وابتدأ كتابة القصص القصيرة منذ العام 1932، حيث نشر أكثر من خمسمائة قصة قصيرة، غير الروايات والمسرحيات والقصائد.

وظهرت أولى مجاميعه القصصية (الحكايات السحرية) وكان عمره عشرين سنة. وري برادبري كاتب غزير الإنتاج، وعندما كان مكرساً حياته كلية للكتابة، خاصة في العقد الرابع من عمره، دأب على كتابة أكثر من ألف كلمة يومياً، أي ما لا يقل عن قصة قصيرة واحدة في الأسبوع، وطوال عشر سنوات متواصلة. زار المكسيك وكتب عدداً من القصص عن مومياء وطقوس الحياة فيها وعاش ستة أشهر في دبلن عاصمة ايرلندة، فاستوحى من أساطيرها المحلية كثيراً من القصص، أشهرها قصته (النائحة)، المترجمة ضمن هذه المجموعة.‏

وفضلاً عن القصة القصيرة والرواية، فقد كتب برادبري مجموعة من سيناريوهات الأفلام، أشهرها سناريو (موبي دك) عن رواية الكاتب الأمريكي ميلفيل، وأخرج الفيلم المخرج الأمريكي جون هيدسون، وكتب سيناريو فيلم (جاء من الفضاء الخارجي). تعتبر روايتا برادبري (درجة 451 فهرنهايت) و(نبيذ الهندباء البري)، أكثر أعماله شهرةً، إذ حولت الأولى إلى فيلم سينمائي عام 1966، ثم إلى باليه عام 1988، أما الثانية فأطلق اسمها على فوهات أحد البراكين القمرية عندما حط فريق أبولو على القمر، تكريماً للرواية. وفي الثمانينات، طلب منه المساعدة على تصميم مدينة القرن الحادي والعشرين، التي ستبنى قرب طوكيو.‏

يمتلك ري برادبري خيالاً هائلاً، وذاكرة فذة، يستعيد عبرهما شريط حياته منذ الطفولة، ثم يستل من ذلك الشريط أفكار قصصه ورواياته غير المألوفة، فهي تستقرئ الجوانب الخفية من العابر واليومي، وتنفذ إلى أغوار الذهن بما تحتشد به من أساطير ومخاوف وأوهام، تتحكم في حياة البشر العادية في غفلة عنهم ودون تفسير أحياناً. كما يرتفع برادبري بخياله إلى السماء، فينحت قصصاً تدور في الأغوار البعيدة للكون، مع تفهم لمصطلحات الفضاء والآلات العلمية ودراسات المجرات التي وصل إليها تطور العلوم الحديثة. مع نبرة إنسانية عالية، عادة ترافق قصص الخيال العلمي لديه، فهو يدس رسالته الأخلاقية في تضاعيف القصص حتى وإن جاءت غير مباشرة.‏

يقول برادبري في مقدمته للمجلد الأول من قصصه القصيرة (سلكت في حياتي ثلاث طرق، كمستكشف مدينة، مسافر فضاء، وهائم مع أقارب الكونت دراكولا من الأمريكيين)، وهي محاور واضحة للعيان أمام قارئ برادبري، فهو كمكتشف للمدينة الحديثة ذات الأوجه غير المتناهية، ينقلنا عبر قصصه إلى عالم البشر فيها حيث تلعب المصادفات دوراً هائلاً في رسم مصائرهم، كما تشكل الأوهام والخيالات المترائية أثناء الوحدة ومواجهة العالم المادي الذي يبدو صلداً أحياناً، نسيجاً لا يمكن نكرانه في تكوين الشخصية المعاصرة.‏

أغلب الأحداث التي تدور في قصصه حول إنسان المدينة، أحداث عادية تجري كل يوم، لكن في لحظة من اللحظات، وبشكل مفاجئ تتشقق عادية ذلك الواقع لتشف عن الغريب والسري، اللذين لم يكونا مختبئين تحت قشرة الواقع ذاك فقط، إنما في الأذهان أيضاً. وهو حين يوصل الشخصيات تلك إلى لحظة تفتت الواقعي، وانهيار المألوف، فإنه يصور، بالمقابل، حالة الرعب المندفعة من الأعماق، وقد كونتها على مر التاريخ البشري، أساطير وأوهام وخيالات ومآس لا تحصى، عندئذ يتحول مسرح الحياة الدافئ المطمئن إلى ساحة متوحشة ترقص فيها الأشباح والحيوانات الأسطورية والهياكل العظمية وديناصورات ما قبل التاريخ والسحر المعتق في الروح البشرية طوال قرون. وأبلغ تعبير عن هذا المنحى قصته التابوت، حين يتحول إلى آلة مميتة لم يحسب لها بطل القصة حساباً، وفخ نصبه له أخوه العجوز الذي توفي، كي ينتقم منه.‏

أما غموض الفضاء وأسراره المستعصية على العقل البشري، رغم بلوغه درجة من النضج والتطور لا يستهان بهما، فقد هيأ لبرادبري مادة غنية يجرب عليها خياله الفذ. كتب عن الشمس وحرارتها، عن المريخ المتوهج بالحمرة في ليالي الأرض، عن ساتورن ذي الدوائر المتحجرة الشبيهة بعيون كونية ترقب المجهول، عن المجرات البعيدة التي استخدم في السفر إليها ورواية ما يدور فيها من أحداث، خياله البشري وحده مستنداً على معرفة واسعة بالرحلات الفضائية والدراسات العلمية والفرضيات التي يتفتق عنها ذهن الباحثين الفضائيين. وقد صنف ري برادبري على هذا الأساس، ضمن كتّاب الخيال العلمي، وكرس روايته (الأحداث المريخية) لعالم ذلك الكوكب الأحمر الغامض.‏

من الرواية:‏

( مسافر الزمن، بعد مائة سنة من الصمت، وافق على إجراء حوار. إنه في هذا اليوم، بعمر 130 سنة، وفي هذه الظهيرة، الساعة الرابعة بالضبط، بالتوقيت الباسفيكي، ستكون الذكرى السنوية لسفرته الأولى والوحيدة في الزمن. أجل، قبل مائة سنة، لوح كريج بنيت ستايلز، دلف إلى «ساعته الهائلة» كما سماها، ثم تلاشى من الحاضر. كان الرجل الوحيد في التاريخ، وظل كذلك، الذي سافر في الزمن. وكان شاموي الصحفي الأول والوحيد، بعد تلك السنين، الذي دعي لشاي ما بعد الظهيرة. ثم؟ الإعلان المحتمل لرحلة ثانية وأخيرة عبر الزمن. مسافر الزمن ألمح إلى رحلة مثل تلك.‏

(أيها العجوز) قال شاموي (سيد كري بينيت ستايلز، أنا قادم!).‏

مستسلمة للانفعالات، قبضت الطائرة على الريح وامتطها متجهة إلى الشاطئ.‏

كان الرجل العجوز منتظراً إياه فوق سطح (دير الزمن) على حافة الجرف الشراعي في لاجولا. الهواء محتشد بطائرات شراعية قرمزية، زرق وليمونية، حيث كان رجال شبان يصيحون، بينما تنادي عليهم نساء شابات من حافة الأرض.‏

لم يكن ستايلز العجوز، رغم سنواته ال 130، إذ كان وجهه، الناظر إلى الهيليكوبتر، أكثر إضاءة من وجوه الطيارين الشراعين الحمقى الذين غيروا اتجاهاتهم أثناء ما كانت الطائرة تغطس إلى الأسفل.‏

حوّم شاموي بطائرته لحظة طويلة، مستمتعاً بالتأخير.‏

تحته كان الوجه الذي امتلك تصاميم الأحلام. الأهواء التي لا تصدق، مشاريع الغرائب لثوان، ساعات، أيام، الذي قذف روحه فيها ليسبح ضد التيار عبر القرون. وجه مشرق يحتفل بعيد ميلاده الشخصي. ففي ليلة فريدة، قبل مائة سنة، عاد كري بينيت ستايلز من الزمن مفعم النشاط، ليحدّث ملايين البشر في العالم عبر التلستار، عن مشاهداته، وليخبرهم عن مستقبلهم.)‏

الكتاب ترجمة شاكر الانباري- صادر عن سلسلة الكتاب الالكتروني- الهيئة العامة للكتاب‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية