تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سعيد حورانية .. الأعمال القصصية الكاملة

كتب
الأربعاء 23-5-2012
فيصل خرتش

شكّل سعيد حورانية، أستاذاً لجيل كامل في كتابة القصة القصيرة، كان قادماً من اندفاعة الخمسينيات التي كانت ردّاً مجتمعياً على هزيمة الـ 48 بلغته الواضحة واندفاعات سرده وحادثته المركزة، قمة لايمكن أن تجارى.

أعلنت مجموعة سعيد حورانية الأولى « وفي الناس المسرة 1952 »، أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، ميلاد كاتب وعالم قصصي جميل، وذلك بعد الخروج العسكري والإداري للفرنسيين فجاء رافضاً لهذه القوى للواقع الذي هو استمرار للماضي.‏

هذا الصراع بين القديم والجديد سوف يأخذ صورته وبعده الاجتماعي الواضح في مجموعتي سعيد حورانية التاليتين: «شتاء قاس آخر»، و«سنتان وتحترق الغابة». وفي هذه المجموعات الثلاث يكتمل رسم عالم قصصي جديد تماماً، إنه عالم الكفاح والتغيير والأمل، عالم قصصي لن يدرك كنهه تماماً إلا بالرجوع إلى مرحلة الخمسينيات، مرحلة الكفاح الاجتماعي – الوطني الفكري الذي شهدته الساحة العربية، والسورية خصوصاً. وكما كان الصراع واضحاً على أرض الواقع، فقد كان واضحاً في أرض العالم القصصي لسعيد حورانية، حيث ينتهي الصراع في هذا العالم القصصي بانتصار الإنسان، لأن سعيد حورانية يضيف إلى عالمه القصصي رؤيته الفكرية لحركة التاريخ: الإيمان بالإنسان والمستقبل، وبهذا فإن العالم القصصي لهذا القاص لا يقف عند حدود مرحلة الخمسينيات، بل ينفذ خارجها باتجاه المستقبل كما يراه أو يريده الكاتب، فإن هذا الصراع يتجسد ويتعيّن واقعياً واجتماعياً.‏

تتجسد هذه القوة، في القوى المسيطرة والظالمة في المجتمع، وبكل أنواع السيطرة والظلم، (العسكر والدرك) الذين ينفذون قانوناً جائراً. والأهل الذين يمثلّون قيماً اجتماعية وأخلاقية قديمة: الملاك الكبار والحكومة والمستعمرون، وهناك (البوم والغربان) كرمز لهذه القوى، وبمفهوم آخر: هناك قوى الشر مجتمعة، لكنها تظهر في هذا العالم القصصي مجسّدة واقعية بشرية.‏

وفي الطرف الثاني تظهر قوّة نقيض للأولى، وهي تتعرض للعسف والظلم، فتتحرك مكافحة الظلم، الذي يقع عليها، تتجسد هذه القوى في الفقراء عموماً، وكرمز لها يستخدم سعيد حورانية الطيور الجميلة، ويمكن تسمّية هذه بقوة الخير، لكنها قوى مجسدة واقعية وبشرية أو إنسانية.‏

إنّ مكان الصراع هو الأرض العربية في « سورية « كلّها، ولهذا فالصراع يتجلّى عينياً في حياة الناس البسطاء اليومية، ومن هنا فإنّ الصراع يأخذ في عالم سعيد حورانية القصصي شكلاً وبعداً إنسانياً واجتماعياً وفكرياً محدّداً، إنه صراع بين الظالم والمظلوم، صراع بين قوى تريد إدامة ذلّ الإنسان وبؤسه وجوعه، وبين قوة تريد رفع سيطرة وظلم المستعبدين.‏

إنّ سعيد حورانية لم يقتصر على أن يرى ببصره مرحلة الخمسينيات في سورية، بل رأى ببصيرته «مرحلة الصراع الإنساني» كلها، وكما يريد لها أن تكون وأن تنتهي، يدر بوصلتها موهبة الكاتب وقدرته القصصية على السرد.‏

لقد اضطر الكاتب (في فن القصص، وفي اللغة) إلى التبسيط من اللهجة الفصحى، أما من حيث (الشكل) فقد أدخل تقنية قريبة من التقنية السينمائية، فقد استخدم، وببراعة، ما يسمّى « المونتاج المتوازي» حيث يتوازى حادثان مترابطان ليقدما حدثاً واحداً جامعاً للحدثين: « قصة قيامة أليعازر»، كما أنه استخدم عملية الترميز، حيث يجد الكاتب في رمز ما معادلاً موضوعياً لوضع واقعي، إنه دلالة الواقع ومعناه وروحه.‏

إلى جانب عملية الترميز، قدم سعيد حورانية قصصاً تكمن قوتها بمباشرتها وشدّة ملاصقتها للواقع، إنه يثبت حقيقة أدبية وهي أنّ (الشكل) بذاته لا يعني دائماً الكثير، كما لا يعني (المضمون) بحدّ ذاته الكثير.‏

تقديراً لفن القصة القصيرة في سورية، وتقديراً لأحد روّاده، في ذكرى وفاته، تقدم وزارة الثقافة الأعمال القصصية الكاملة لسعيد حورانية، مع تقديم ودراسة لمحمد كامل الخطيب، ومقابلة أجراها معه قبل وفاته، حسن م. يوسف ومحمود عبد الواحد.‏

سعيد حورانية:‏

ولد في دمشق عام 1927، ودرس فيها، وأكمل تعليمه الجامعي في جامعتها – قسم اللغة العربية، ثم ذهب إلى موسكو عام 1969، للعمل بجريدة أنباء موسكو، كان عضواً في الرابطة الكتاب السوريين، سجن عدة مرّات، في سورية ولبنان، وتوفي عام 1994.‏

يعتبر سعيد حورانية واحداً من أهم المبدعين السوريين والعرب لفن القصة القصيرة. له المجموعات التالية: وفي الناس المسرة، 1952 – سنتان وتحترق الغابة، 1964 – شتاء قاس آخر، 1964.‏

‏

سعيد حورانية: الأعمال القصصية الكاملة - وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب – 2012 - عدد الصفحات: 576 صفحة ؛ القطع: 24 سم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية