تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نجيب محفوظ من رواية الحياة إلى التأمل

كتب
الأربعاء 23-5-2012
يمن سليمان عباس

يفتتح مركز دراسات الوحدة العربية سير وأوراق المبدعين العرب، وفي هذا الإطار أصدر أكثر من كتيب يحتفي بالمبدعين وقد خصص العدد /19/ من هذه السلسلة للاحتفاء بالروائي الكبير نجيب محفوظ تحت عنوان «نجيب محفوظ رائد الرواية العربية».

أعد الورقة الدكتور فيصل دراج وهي تقع في سبعة أبواب تتحدث بداية عن حياة نجيب محفوظ ومن ثم تتوقف عند المراحل الإبداعية التي مرّ بها الروائي.‏

أهمية نجيب محفوظ‏

يشير الدكتور دراج في مقدمته إلى أن أهمية محفوظ ومكانته في تاريخ الرواية العربية تعود لسببين الأول دوره الحاسم في إعادة تأسيس الرواية العربية وتأكيدها جنساً أدبياً مستقلاً بذاته يساوي في أهميته الشعر، بل يتفوق عليه ولا يقل شأناً عن العلوم الإنسانية الأخرى مثل التاريخ والفلسفة، والثاني مساهمته المستمرة في تجديد الشكل الروائي وتنويع العناصر الفكرية والفنية التي يمكن إدراجها فيه، مثل القصص التاريخية والملاحم الشعبية والحكايات المستقاة من التراث العربي.‏

برهن محفوظ في مساره الروائي الطويل عن شغف بالتجديد وعن مرونة الشكل الروائي الذي يذيب داخله عناصر تنتمي إلى أجناس المعرفة المختلفة، ولهذا استطاع إظهار وظيفة الكتابة الروائية، كما آمن بها وكشف من خلالها عن منظوره للعالم والتاريخ، فالرواية نقد للواقع المعيشي ودعوة إلى استبداله بواقع آخر أكثر عدلاً وديمقراطية وهي حوار مع التاريخ القريب منه والبعيد، تصفه وتؤلهه وترفضه فقد كان تاريخ المجتمعات الإنسانية ولا يزال بعيداً عن العدل المنشود، ولعل التفات محفوظ إلى العدل وهو الوطني الليبرالي من البداية حتى النهاية هو الذي جعل من السلطات السياسية المتواترة في مصر موضوعاً أساسياً لروايته، وجعل منه مؤرخاً من نوع خاص يقرأ التاريخ في أحوال البشر وأقدارهم.‏

سيرة محفوظ‏

وينتقل دراج للحديث عن سيرة محفوظ، فقد ولد عام 1911 بحي الجمالية الشعبي في القاهرة، التحق بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على إجازة في الفلسفة وهيأ نفسه لدراسة عليا (ماجستير) موضوعها الجمال في الفلسفة الإسلامية وعدل عن رأيه مقرراً التفرغ للأدب، اختار في البداية أن يكتب رواية تاريخية عن تاريخ مصر الفرعوني، ونشر ثلاث روايات أولها «عبث الأقدار» لكنه تحول بعد ست سنوات إلى مرحلته الواقعية التي توجها بثلاثيته الشهيرة «بين القصرين» «قصر الشوق» و«السكرية» أصدر عام 1948 روايته «السراب» دليلاً على حداثته ورغبته في التجديد، ذلك أن هذه الرواية عالجت مواضيع قريبة من علم النفس التحليلي.‏

بعد قيام ثورة 1952 قرر محفوظ اعتزال الكتابة غادر صمته ودخل إلى مرحلة رمزية أولها «أولاد حارتنا» 1959 أفصحت عن رهانه الخاطئ ذلك أن السلطة الجديدة لم تقبل بالخيار الديمقراطي.‏

تقلب محفوظ في وظائف رسمية متعددة، فعمل في وزارة الأوقاف 1938- 1945 ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة ذاتها حتى عام 1954 وشغل بعد قيام الثورة وظائف ثقافية متنوعة فعمل مديراً عاماً لمؤسسة السينما عام 1960 ثم مستشاراً للإذاعة والتلفزيون وعين رئيساً لمجلس الإدارة العامة للسينما 1966 - 1971 وبقي فيه إلى أن تقاعد وهو في الستين من عمره ليصبح بعد ذلك أحد كتّاب مؤسسة الإهرام.‏

حصل على عدة جوائز أدبية: جائزة وزارة المعارف عام 1944 عن روايته كفاح طيبة وجائزة مجمع اللغة العربية عن خان الخليلي 1946 وجائزة الدولة في الأدب 1957 وهو أول أديب عربي يحصل على جائزة نوبل 1988.‏

تعرض الروائي الراحل للاغتيال في تشرين الأول 1995 توفي محفوظ في 30 آب 2006 وترجمت أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة وحوله ارتباطه بالقاهرة القديمة إلى معلم من معالمها الحضارية.‏

نقل محفوظ الرواية العربية من حالة الكتابة الهامشية إلى وضع الكتابة الأدبية المسيطرة التي تقول بالتنوير والحداثة الاجتماعية.‏

المرحلة التاريخية‏

أما مراحل إبداعه كما يذكر دراج فهي عديدة أهمها المرحلة التاريخية والتي ضمت ثلاثة أعمال: عبث الأقدار 1939 ورادوبيس 1943 وكفاح طيبة 1944 والرواية الأخيرة أهلته لجائزة مجمع اللغة العربية إضافة إلى رواية تاريخية عنوانها العائش في الحقيقة كتبها عام 1985 أخذت هذه الروايات مادتها من التاريخ الفرعوني الذي أولاه اهتماماً خاصاً في مطلع شبابه ودفعه إلى ترجمة كتاب جيمس بيكي «مصر القديمة».‏

المرحلة الاجتماعية‏

تجسدت هذه المرحلة بعدة روايات منها «القاهرة الجديدة» و«خان الخليلي» التي تحمل اسم الحي الشعبي الذي تدور فيه، وتقدم زمنياً إلى الحرب العالمية الثانية 1939 -1945 ثم زقاق المدق التي يشير عنوانها إلى مكان شعبي فقير.‏

يقول محفوظ في حواره مع جمال الغيطاني إنه أراد تسجيل تاريخ مصر في أكثر من ثلاثين رواية.‏

المرحلة الفلسفية‏

ومن ثم تأتي المرحلة الفلسفية لتضم خمس روايات «اللص والكلاب» 1962 و «السمان والخريف» 1962 و«الطريق» 1964 و«الشحاذ» 1965 و«ثرثرة فوق النيل» 1966.‏

اختلف النقاد في تسمية هذه المرحلة بدءاً من الواقعية الجديدة وصولاً إلى الواقعية الفلسفية مروراً بتعبير المرحلة الذهنية.‏

لكنها في الحالات جميعاً رواية عن الإنسان المغترب غير أن هذا الاغتراب (مهما كانت أشكاله) سياسي بامتياز يدور حول الإنسان الواعي لاغترابه في المرحلة الناصرية أكان حالماً ثورياً قبل 1952 أم كان وفدياً انتظر بلا نجاح نظاماً جديداً يحقق ما يصبو إليه.‏

ماذا أراد محفوظ؟‏

شهدت أعمال محفوظ رفض السيطرة الخارجية على بلاده ودعا إلى مصر مستقلة وإلى أديب ديمقراطي حاسم لا يساوم على ما آمن به وإلى مفكر أمضى حياته منادياً بالعدالة وإنصاف المظلومين.‏

آمن محفوظ بمجتمع يقوم على التوازن يرضي العقل والروح والحاجات الإنسانية التي تستمر بها الحياة وآمن أن الشر المنتصر لا يهزم الخير هزيمة أخيرة وأن الأخيار الذين فاتهم الانتصار مستمرون كما تستمر الحياة.‏

وحد محفوظ بين تطوير الشكل الروائي ونقد السلطة السياسية ناظراً أبداً إلى معنى المقاومة داخل العمل الأدبي وخارجه.‏

وعرف كيف يعيد تأسيس الرواية العربية وجعلها جنساً أدبياً مستقلاً بذاته وبرع في تجديد الشكل الروائي وتنويع العناصر الفكرية والفنية التي يمكن إدراجها في الرواية، كما استطاع بمهارة أن ينتقل من شكل روائي إلى آخر.‏

‏

أوراق عربية: نجيب محفوظ رائد الرواية العربية. - المؤلف: الدكتور فيصل درّاج. - الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية