|
عن The American Conservative
تساوره المخاوف إزاء توقعات بأن: «نشهد بداية نهاية الحقبة الأميركية في الشرق الأوسط»، إلا أننا نرى بأنه إن كانت الأمور ستفضي إلى إنهاء الوجود الأميركي في المنطقة، فالأماني تحدونا للإسراع بها. بيد أننا نتساءل عن ماهية «الحقبة الأميركية» التي أشار إليها ستيفنز؟ فهل تنطوي تلك العبارة على مقاربة فرض الهيمنة؟ إذ أنه على مدى عقود عدة، تورطت الولايات المتحدة في محاولة لتأسيس شكل من أشكال السيطرة الأميركية على المنطقة، لكن جهودها في هذا المضمار لم تؤت أكلها بل حمّلت الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها تكلفة باهظة لم ينجم عنها سوى الولوج إلى عصر التدخل الأميركي متدني الفعالية. ورغم ذلك لم يعمد ستيفنز إلى الإقرار بخطئه. بل ويبدو أن لديه ثقة مفرطة في قدرة القوات الأميركية على البقاء والاستمرار في خوض المعارك، إذ بدا عليه الغضب والاضطراب عندما دعا للقيام برد فعل انتقامي إثر الرد الخجول لترامب تجاه جملة الاستفزازات الأخيرة المنسوبة لإيران، والهجوم الأخير الذي حدث على منشأتي النفط السعودي. وفي الحين الذي لم يصرح به علنا عن ماهية الإجراءات العقابية التي يراها مناسبة في هذا المضمار، نجده يعرب عن ثقته بأن «عملية انتقامية عسكرية محدودة ستفضي دون شك إلى إعادة تدعيم قوة الردع ضد إيران». بيد أنه لم يفسر لنا من أين جاء بكل تلك الثقة، والتي بدت ثقة عمياء رغم الإخفاقات وخيبات الأمل التي لا تعد ولا تحصى ولاسيما في ضوء ما شهدته الولايات المتحدة منذ الثورة الإيرانية عام 1979. لكن يبدو أن لدى ستيفنز ومناصري الهجوم على إيران ذاكرة محدودة تماما، لم نشهد «بداية النهاية» للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط في منتصف شهر أيلول عندما اكتنف ترامب التحسب والتردد إزاء إيران، لكن بداية النهاية كانت في عام 2003 عندما غزت الولايات المتحدة العراق. ولا ريب بأن أبرز الصحفيين الذين أثنوا على تلك الحرب الكارثية كان بريت ستيفنز نفسه، ومنذ ذلك الحين، ما انفكت الولايات المتحدة تتورط أكثر فأكثر في المنطقة الأمر الذي بدا جليا من خلال مساعيها للقضاء على الفوضى التي كانت من تداعيات ما اقترفته من أفعال مقيتة في المنطقة. أما في الوقت الراهن، فإن ستيفنز ومن لف لفه يحرصون على الدعوة لفتح جبهة جديدة بغية القيام بحملة عسكرية لا حدود لها مشيرين أنهم كانوا على صواب عندما نعتوا صدام حسين بأنه أصل كل الشرور، محاولين إقناعنا بأن التهاون الذي جرى في السابق سيجعل إيران تتخذ إجراءاتها وأنه من الضروري مجابهتها بغية «استعادة الحقبة الأميركية في الشرق الأوسط». ونقول ببساطة، إن هذا ليس سوى أمنيات يحلم الرئيس ترامب بها. وفي هذا السياق، يمكننا أن نطلق على الرئيس صفات كثيرة أهمها عدم الحصافة ودقة التفكير ولاسيما في ضوء ما شهدناه من جهل مطبق بالأحداث التاريخية، الأمر الذي جعله لا يمتلك إلا قلة قليلة من المبادئ التي تمكنه من صياغة نهج متماسك في السياسة. لكن قناعته بأنه العبقري المنقطع النظير جعلته لا يأخذ بنصيحة الآخرين. بيد أنه ثمة أمر يستحق عليه الثناء هو مقته للحرب وقناعته بأن النزاعات المسلحة طويلة الأمد غير مجدية ولا يرغب بها. لا ريب بأن تعزيز هذا الاتجاه جاء نتيجة توق ترامب لكسب الانتخابات في ولاية ثانية. وفي واقع الأمر فإن الرئيس لم يف بالوعد الذي قطعه في حملته المتعلق بإنهاء الحروب الطويلة، كما أنه لم يحقق نجاحا ملحوظا على صعيد السياسة الخارجية، بل إن ما حققه من وعود يقتصر على الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية والتحريض لحرب تجارية مع الصين التي من غير المتوقع حدوثها. كما وأنه بات من الواضح بأن آخر ما يرغبه ترامب سياسيا هو خوض حرب جديدة أو الاستمرار في خوض الحروب العديدة التي ورثها عن أسلافه. نعتقد أنه ليس ثمة رغبة تحدو الرئيس لخوض حرب أخرى في الشرق الأوسط. ومهما كانت دوافعه صافية أو غير صافية، فإننا نجد أن هذا أمر يلقى استحسانا وترحيبا لدى الصقور . لكن من المؤسف بأن ترامب وإدارته على حد سواء ليس بمقدورهم استنباط بديل فعلي لفكرة خلق «حقبة أميركية جديدة في الشرق الأوسط»، وحتى الآن على الأقل فإن الإدارة الأميركية لم تسع إلا إلى تصعيد لما سبق من قرارات على غرار فرض المزيد من العقوبات، ونشر المزيد من القوات الأميركية في المنطقة. وكما هو الحال في كثير من الأحيان فإننا لم نأخذ من ترامب سوى التلميح والإشارة بدلا من اتخاذ سياسة هادفة. إن البديل لما يحدث هو إقرار الولايات المتحدة بأن قوتها العسكرية في الشرق الأوسط أفضت إلى استشراء وتفاقم المشكلات بدلا من المساهمة في إيجاد الحلول. وباستثناء بعض الأشخاص، فإن الإدارة تفتقر لجرأة الاعتراف بما اقترفته من آثام. تكمن بداية الحكمة في إقرار الولايات المتحدة بتنحيها بغية استعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك الاستقرار لا بد من وقف الحروب بدلا من الاستمرار بها، ودفع المتخاصمين مثل إيران والسعودية لإدراك الفوائد والمزايا الناجمة عن خفض مستوى العنف، ذلك الأمر الذي يتطلب بالضرورة تحديا كبيرا وصبرا وتطورا دبلوماسيا. لذلك نرى بأن الضرورة تستدعي إعطاء السلام ما يستحقه من فرصة. وفي نهاية المطاف، نتساءل عن مدى حرص ترامب على تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ بتقديرنا أنه لا يسعى لاتخاذ تلك الخطوة. إلا أنه لو عمد إلى الإقدام عليها في الشرق الأوسط فإن ذلك قد يفضي إلى تدعيم التعايش المشترك، الأمر الذي سيكون موضع فخر للأجيال القادمة. |
|