تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


منبـــر الأمم المتحــدة «شاهد عيان » على حفــلات التكــاذب المفضوحــة

دراسات
الخميس26-9-2019
عبد الحليم سعود

بات من المتعارف عليه أن معظم المداولات والخطابات التي تجري كل عام في الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى السنوية لإنشائها، هي مجرد حفلات علاقات عامة تتخللها استعراضات مفضوحة من التكاذب والنفاق السياسي،

إذ تجري خلالها محاولات محمومة للضحك على شعوب العالم بالشعارات الإنسانية، دون أن يتحول أي منها إلى خطط عمل ملزمة تعود بالخير على الإنسانية جمعاء، والسبب كما هو معروف هيمنة بعض الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية على القرار الأممي وأخذه باتجاهات أخرى عكس مصالح الشعوب كما يفعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبعض أدوات أميركا وحلفائها، ما يعطل أي مبادرات ايجابية ويساهم بافتعال مشكلات جديدة تشغل الإنسانية لسنوات قادمة.‏

رغم ذلك يتفق الكثير من الخبراء والمعنيين بالشأن الأممي والإنساني أن أهمية الدورة الحالية للجمعية العامة في دورتها الـ74 ــ كما هو حال دورات سابقة ــ تنبع من الحاجة لتعزيز فرص الأمن والسلام والاستقرار في العالم وكذلك قضايا التنمية المستدامة، إلى جانب حماية حقوق الإنسان، والتقدم الاجتماعي، والقضاء على الفقر والجوع، وقضايا أخرى مثل القضاء على الأمية وزيادة فرص التعليم الجيد والصحة، وكذلك معالجة ملف التغيرات المناخية التي تعصف بكوكب الأرض نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة والمدمرة لبعض الدول الصناعية، إلى جانب قضايا الارهاب والحروب المدمرة والأزمات التي تقلق بال المجتمع الدولي عموماً.‏

كما يضع هؤلاء الخبراء ملف نزع أسلحة الدمار الشامل في قمة أولويات الدورة الحالية، مع وضع تدابير شديدة الصرامة لمنع الإرهابيين من حيازة هذه الأسلحة واستخدامها، إضافة إلى مناقشة أهم المبادئ التي يتعين على الدول الالتزام بها في إطار جهود مكافحة الإرهاب، فضلاً عن وقف الحروب الدائرة حالياً وتسوية النزاعات والأزمات المتفاقمة.‏

ولكن لو توقفنا عند بعض الخطابات التي شهدها منبر الأمم المتحدة في الأيام السابقة كمثال، سنجد البعض منها عدائياً ومخادعا ويساهم في تضليل الرأي العام العالمي ويرفع من مستوى التوتر والتصعيد في مناطق هي أحوج ما تكون للتهدئة والهدوء وخاصة منطقة الشرق الأوسط، حيث استخدم ترامب المنبر الأممي للهجوم على إيران وتحريض المجتمع الدولي عليها بدل الدعوة للحوار ومعالجة المشكلات العالقة، وتناسى ترامب أن انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران وفرضه عقوبات ظالمة على الشعب الإيراني هو من فاقم الأخطار الراهنة وقلص فرص السلام في المنطقة، كما تجاهل الدورين الخطيرين اللذين يطلعان به كل من الكيان الصهيوني الذي يمارس اعتداءاته الارهابية في كل المنطقة بصورة دورية، وكذلك النظام السعودي الذي دمر دولة اليمن الشقيقة وقتل وشرّد وجوّع شعبها بدعم متواصل ومستمر من الولايات المتحدة والدول الغربية، وأهدر مئات مليارات الدولارات على التسلح وشن الحروب وافتعال الأزمات ودعم وممارسة الارهاب.‏

أما خطاب حاكم مشيخة قطر فجاء مسلياً ومضحكاً ومليئاً بالمغالطات المستفزة، حين حاول أن يقدم نفسه داعماً للمقاومة العربية في وجه الكيان الصهيوني وحاملاً لواء قضية فلسطين والشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يعتبر فيه هذا النظام الوظيفي أحد أبرز أدوات المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة، إذ يعتبر أبرز المطبعين مع الكيان الصهيوني بعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية وتجارية..إلخ، كما حاول إظهار نفسه مناصراً لتطلعات السوريين نحو «الحرية» ــ كما زعم ــ في الوقت الذي اعترفت فيه مشيخته بتقديم أكثر من 130 مليار دولار للجماعات الارهابية التكفيرية ــ وخاصة جبهة النصرة ــ من أجل قتل الشعب السوري وتدمير دولته ومؤسساته، وهو نفس الدور الذي لعبته مشيخة قطر في كل من مصر وليبيا ومناطق أخرى.‏

في حين جاء خطاب رئيس النظام التركي رجب أردوغان غاية في الابتزاز والسمسرة والمتاجرة بالمواقف فيما يتعلق بتطورات الأزمة والحرب في سورية، حيث ادعى أن بلاده هي من أطلقت عملية انهيار تنظيم داعش الإرهابي في سورية، إلى جانب حرصها الكاذب على المدنيين واستقرار ووحدة الأراضي السوريين وعودة المهجرين وضرورة إنجاز الحل السياسي، فيما كل تصرفات أردوغان على الأرض هي صورة متناقضة كلياً مع نفاقه على المنبر الأممي، فأردوغان هو الذي يقف دون معالجة ملف الارهاب في إدلب متصدراً قائمة الداعمين للإرهاب في سورية، وهو الذي يقف ضد إنجاز الحل في سورية عبر استخدامه لجزء من «المعارضة» السورية في الخارج كأدوات إرهابية في الداخل وأدوات تعطيل للحل السياسي في جنيف وسوتشي وغيرهما، وهو الذي يخرق السيادة السورية كل يوم بالاعتداءات المستمرة في الشمال السوري ومحاولاته اليائسة لإنشاء «مناطق آمنة» تكون مرتعاً لعصاباته الارهابية في سورية، في حين بات العالم كله على دراية كاملة بتفاصيل ملف المهجرين السوريين الذي يستخدمه أردوغان للابتزاز الداخلي والخارجي ومن الارتزاق دوليا وخاصة من أوروبا تحت هذا العنوان خدمة لمشاريعه وأجنداته الاستعمارية في سورية والمنطقة، ولا أحد يستطيع أن يبرر له تدخله في الشأنين الليبي والمصري من زاويته الإخوانية الضيقة.‏

ولا شك أن مسرحية التكاذب والنفاق والادعاءات ستكتمل بصعود كل من المندوبَين الإسرائيلي والسعودي على المنبر الأممي، فالأول سيحاول الظهور بمظهر حمامة السلام في المنطقة في الوقت الذي نسف فيه كيانه كل فرص السلام والأمن في المنطقة على مدى واحد وسبعين عاما عبر احتلاله واستيطانه وعدوانه الدائم على الأرض والحقوق والمقدسات العربية والإنسان العربي، وأما الثاني فسيحاول جاهداً تحريض الأمم المتحدة ودول العالم على الجارة إيران من أجل شن عدوان عليها بذريعة الهجوم الذي طال منشآته النفطية في بقيق وخريص، في حين أن ممارساته العدوانية والإرهابية في اليمن تقع تحت عنوان جرائم ضد الإنسانية باعتراف وتأكيد العديد من المنظمات الإنسانية الدولية، وبالتالي فإن مواجهته وردع عدوانه على اليمن يجب أن يأتي في مقدمة أولويات الأمم المتحدة، لأن ما تعرضت له منشآته كان نتيجة لعدوانه المستمر وارتكابه المزيد من الجرائم بحق الشعب اليمني.‏

ولكن وجود هؤلاء على منبر الأمم المتحدة بصورة دورية واستفزازية لا يمنع من حضور مسؤولين آخرين حاملين هموم شعوبهم ومؤمنين بقضاياها وساعين من أجل السلم والاستقرار وخير البشرية جمعاء، وسيحاولون ما استطاعوا أن يعيدوا شيئاً من التوازن الذي تفتقده هذه المنظمة الدولية، سعياً وراء إصلاحها وتخليصها مما علق بها من سياسات عدوانية وإلغائية، وهذا ما يجعل منبر الأمم المتحدة هذه الأيام حلبة للصراع بين قوى الخير والشر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية