تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


راحلون .. في ذكرى رحيل الشاعر نديم محمد:أدمشـق لبيــك.. القوافـي كالحصى والرمـل عــدّا

ثقافة
الأحد 24-1-2016
 فاتن دعبول

حمل لواء الشعر الوجداني متجاوزا الزمان والمكان الى آفاق المشاعر الانسانية بومضات خاطفة وألق ابداعي لايجارى «اعزف من قلبي على وتر الشعر واعطي من دمي على راحة كف مبسوطة، للوطن والانسان ومحدودة لتأخذ من خزائن الحياة كل الالوان، فأنا مزيج مختلف، وانا عجينة النقائض، فالالم والغبطة في نفسي توأمان لاينفصلان».

الشاعر نديم محمد في مسيرته المختلفة التي تتميز بالمفارقات العجيبة آثر ان ينغمس في قضايا الناس وقضايا المجتمع الاجتماعية والفكرية ولم يكتف بملامسة هذه القضايا، بل غاص في عمقها وصورها وانتقدها، وبذاك يكون قد دخل في المناطق الشائكة والمحظورة، والتي سببت له المتاعب الكبيرة، سواء على صعيد الافراد او على صعيد المؤسسات او على مستوى الشخصيات المهمة التي جمعتها المصادفات مع الشاعر نديم محمد.‏‏

تعلم القراءة والقرآن في القرية على يد شيخ الكتاب اولا ثم ارسل الى المدرسة في قرية «العنازة» في منطقة بانياس الساحل لتعلم قواعد اللغة العربية ومنها مدرسة «الفرير» في اللاذقية ثم انتقل الى جبلة ونال منها الشهادة الابتدائية في العام1925 وفي العام1926 ارسل الى مدرسة اللاييك في بيروت وبعد سنة ونيف سافر الى فرنسا لاتمام الدراسة في جامعة مونبيلييه حيث حصل على الاجازة في الادب العربي، وانتقل الى سويسرا لدراسة الحقوق ولكنه عاد في العام 1930 لاسباب خاصة دون ان يكمل دراسته.‏‏

شغل العديد من الوظائف وكان في جميعها مشاكسا وكان آخرها مديرا للمركز الثقافي في «الحفة» ثم خبيرا في وزارة الاعلام حيث عاوده المرض الذي كان قد اصيب به في العام 1939 وهو التدرن الرئوي، وقد عولج في مشفى المواساة في دمشق الى ان توفاه الله في بيت ابن اخيه وحافظ تراثه الادبي غسان حسن في قرية «عين شقاق» في 17 كانون الثاني1994 عن عمر ناهز السادسة والثمانين ومن اشهر دواوينه «آلام» بثلاثة اجزاء.‏‏

كان لنديم محمد هم وطني يشرحه في مقدمة ديوانه آفاق كما يلي: كنا قبضة من رفاق النضال قليلة بعددها كثيرة بمقاومتها يضم علينا المنتدب الاحمق اصابعه الوحشية، كانت ثورة الشيخ صالح العلي وحاول المستعمر بعدها ان يجعل هذه البقعة الساحلية وكأنها قطعة من ارضه وان يسلخ اهلها من ذواتهم وخلت من امامه الساح الا من النفر المثقف فحاول جمع هذا النفر المثقف في صفه ونجح الا مع الذين ولدتهم امهاتهم احرارا وانتصر الحق في الآخر.‏‏

وتحت عنوان «حرية العربي» ينظم نديم محمد قصيدة من اجمل قصائده:‏‏

شرف العروبة والجدود.. والعز في خفق البنود‏‏

في جحفل بالنار يعصف.. جانباه وبالحديد‏‏

ماهمني عصف الرياح.. اذا عزمت على الصعود‏‏

حرية العربي ابقى.. في الوجود من الوجود‏‏

عرف الشاعر نديم محمد بمواقفه الوطنية والقومية واعتزازه بالعروبة وتمسكه بالنضال ضد المستعمر وايمانه المطلق بحتمية الانتصار ولم يترك مناسبة الاونددفيها بالمستعمر وجرائمه بحق الشعب العربي وفضح ممارساته اللاانسانية، كما عبر عن مواقفه القومية ووقوفه الى جانب قضايا التحررالعربية ونثر قوافيه جذلة حية تلهب وجدان الثوار وتأخذ بيدهم نحو النصر والتحرر، فالانتماء للارض والوطن هو النشيد الخالد وهو عنوان الكرامة العربية:‏‏

ياحر لاتلبس وشاح الليل في عز الضياء‏‏

واغسل جبينك من غبار الضعف او لون الحياء‏‏

المجد ملحمتي وصوت المكرمات صدى غنائي‏‏

لاتعجبوا انا من عروق الشعب اصلي وانتمائي‏‏

من قلبه نبضي ومن ايمانه الاسخى غذائي‏‏

عاش قوميا وطنيا بعيدا عن الزيف والمتاجرة بالشعارات والمواقف ويرفض كل امر لايقبل به عقله ولايقبل بانصاف الحلول، وكان قليل الثقة بالناس لتلمسه النفاق في سلوكهم فقد قال:‏‏

لايدخلن احد كوخي فلست ارى..‏‏

في الداخل ينسوى لص ومغتاب..‏‏

جار من الوحش او طير اعلمها..‏‏

اوفى واخلص من جاري واترابي‏‏

حولي من الذئاب والعقبان طائفة..‏‏

هم كل صحبي وسماري واحبابي..‏‏

والاهم كان شاعر الحزن والالم والانكسار مملوءاً بالاحاسيس الانسانية والعواطف التي لاتقف عند حدود الشجب والاستنكار بل يتعدى ذلك الى حدود المواجهة ببيان شعري حاد قلما يمارسه غيره.‏‏

ونفل عن عميد الادب العربي طه حسين انه قال عن ديوانه آلام: «لو لم يكن لهذا الشاعر الا هذا الديوان فحري بالشعر العربي ان يضمه الى فحولة الكبار».‏‏

وجه الرئيس الراحل حافظ الاسد إلى طبع اعماله الشعرية كاملة صدرت عن وزارة الاعلام في خمسة مجلدات ضخمة ومنح وسام الاستحقاق بعد وفاته.‏‏

ومن شعره في دمشق يقول:‏‏

أدمشق لبيك: السموات العلى يمطران سعدا‏‏

أدمشق لبيك: الصحارى كبحور بمجن اسدا‏‏

أدمشق لبيك: القوافي كالحصى والرمل عدا‏‏

لسواد عينك اسرجوا الافلاك والشهب جندا‏‏

هذا هو الشاعر نديم محمد الذي كلما قرأنا له نشعر بان لغته تعيد صياغة نفسها من جديد لتقدم للقارىء لغة حية جديدة لاتعرف ان تهرم او تشيخ نطالعها في كل زمان فنجد ضالتنا فيها فكرا وقيما وانسانية وعنفوانا لايحد وتجربة غنية وابداعا يستحق ان يحتل المكانة التي تليق به في الكتب المدرسية والمناهج التعليمية، ويأخذ حقه من الدراسة والتحليل وتسليط الضوء على ابداعه المتميز لشاعر سوري وطني بامتياز.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية