تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإخفاقات السعودية من المنظور الأميركي

متابعات سياسية
الأحد 24-1-2016
 بقلم: عبد الرحمن غنيم

حين يكتب أستاذ من جامعة برينستون الأمريكية في صحيفة هافينغتون بوست عن هزائم النظام الحاكم في السعودية على مدى أربعة عقود من الزمن , فإنه لا بد وأن يثير عندنا الفضول لمعرفة تلك الهزائم التي مني بها النظام السعودي دون أن يشعر بها الناس في بلادنا !!.

من المؤكد أنه لو توجّه إلينا أحد ما بسؤال مباشر يطلب فيه تعداد هزائم السعودية خلال تلك الفترة , فإننا سنشعر بالعجز عن الإجابة . بل إننا لن نستطيع أن نتذكر ولو هزيمة واحدة نخزي بها عين الشيطان السعودي أو « نحطُّ على عينه » , لكن صاحبنا الأمريكي يمضي واثقاً في تعداد هذه الهزائم . وبالتالي , فإنه لا يترك لنا خيار التساؤل : عن أيّ هزائم تتحدث ؟! .‏

يبدو أن المشكلة هنا تعود أولاً الى اختلاف زاوية الرؤية . وتعود ثانياً الى الاختلاف حول مفهوم الهزيمة أو الفشل . فالكاتب الأميركي ينظر الى الأمور بعين أمريكية . وهذا منطقي . ومن ثم فإنه ينظر الى الهزيمة أو الفشل بمعيار أميركي , وهذا منطقي أيضاً .‏

وفق منطق الأستاذ الأميركي فإن وقائع الفشل بدأت منذ العام 1980 حين أنفقت مملكة آل سعود أربعة مليارات دولار على « المجاهدين» أو « الأفغان العرب» في أفغانستان الذين وصفهم هو بالإرهابيين رغم أنهم وظفوا لحساب أمريكا بمواجهة السوفييت وبطلب من أمريكا ! ولكن بعد هجمات أيلول في أمريكا ذهبت واشنطن الى أفغانستان لتطيح بسلطة القاعدة وطالبان « اللتين هما نتاج سعودي», فاعتبر هذا الانتصار الأميركي على القاعدة وطالبان هزيمة سعودية!!.‏

لنلاحظ أن الأستاذ الأميركي لم يشأ الحديث عن المبالغ التي أنفقتها السعودية لإغواء صدام حسين وتوريطه في الحرب على الثورة الإسلامية في إيران , وفشل هذه الحرب في تحقيق غايتها , ثم مكافأة أميركا لصدام بالإجهاز عليه عام 2003 بعد حصار دام أكثر من عقد من الزمن أعقب إغواءه بغزو الكويت من قبل أميركا . فهل اعتبر أن ما حدث لصدام كان نجاحاً سعودياً , وليس إخفاقاً إضافياً , مما جعله يبعده عن جردة الهزائم والإخفاقات السعودية ؟! . ربما !!.‏

وفق جردته , فإنه في العام 2005 حاولت السعودية إقناع أميركا بمحاربة إيران ففشلت . فعدّ هذا إخفاقاً سعودياً !!.‏

في عام 2011 , ومع إطلاق مؤامرة « الربيع العربي » الأمريكية , اعتبر الأستاذ الأميركي أن إقصاء حسني مبارك وزين العابدين بن علي كان هزيمة للسعودية !! . ومعنى ذلك أن أميركا هي من ألحقت هذه الهزيمة بآل سعود !!.‏

في ذلك العام أيضاً زجّت السعودية بقوات درع الجزيرة الى البحرين لقمع الحركة الشعبية المطالبة بالإصلاح , وقد مرت الآن خمس سنوات دون أن تفلح في هذا القمع , فعدّ ذلك إخفاقاً سعودياً !!.‏

بعد ذلك , وبمناسبة الحرب الكونية غير المباشرة التي شنّت على سورية , حاولت السعودية إقناع أميركا بشن هجوم عسكري أميركي مباشر على سورية , ولكن أميركا لم تستجب , فعدّ ذلك إخفاقاً سعودياً !.‏

حاولت السعودية بكل السبل والوسائل عرقلة الاتفاق حول ملف إيران النووي , والذي تم التوصل اليه في تموز 2015 , فعدّ ذلك هزيمة تضاف الى سجل الهزائم السعودية .‏

في أوائل العام 2015 شنت السعودية حربها الغاشمة على اليمن , وقد مرت الآن قرابة السنة وهي غارقة في وحول اليمن , وباتت أميركا تخشى من أن تتحول اليمن الى فيتنام جديدة بالنسبة للسعودية . فعد ذلك هزيمة سعودية .‏

في العام 2015 أيضاً لعبت السعودية لعبة تخفيض أسعار النفط بغية الإضرار بالاقتصاد الإيراني حسب رأيه , فهبطت أسعار النفط من 120 الى حوالي 30 دولاراً , ووجدت السعودية نفسها تواجه عجزاً مالياً في ميزانيتها . فكان هذا إخفاقاً سعودياً إضافياً . ولو قدّر للكاتب أن يضيف الى ما سبق وكتب لقال إنه مع حلول يوم 16 كانون الثاني / يناير عام 2016 وسريان الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي ورفع العقوبات التي كان يفرضها الأمريكيون والاتحاد الأوروبي عن إيران , فقد تلقت السعودية هزيمتين : سياسية تتمثل في محاولاتها لإجهاض الاتفاق واقتصادية تتمثل في دخول إيران الى سوق النفط الغربي والتوقعات بانخفاض أسعار النفط ليصل سعر البرميل الى 10 دولارات . بل إن هناك توقعات أقسى حول مصير النفط نفسه بعد فترة زمنية قصيرة , ما يضع مملكة آل سعود التي تعتمد على النفط وحده في حالة « حيص بيص» بالمفهوم الويلزي السلتي والشامي والعربي لهذا التعبير الذي يؤكد ضخامة الورطة السعودية .‏

على أن الإخفاق السعودي الأكبر في نظر الأستاذ الأميركي يتمثل في الحقيقة القائلة بأن العالم كله الآن – بما في ذلك أميركا – يعتبر نفسه في حالة حرب ضد الإرهاب التكفيري , بينما بات من الثابت أن السعودية هي الطرف الذي يقف وراء صنع هذا الإرهاب وتغذيته .‏

إذا نحن نظرنا الى المعطيات السابقة , وربما كان بإمكاننا أن نضيف إليها المزيد في حالة النسج على هذا المنوال , سنكتشف أن زاوية الرؤية الأمريكية لا تعتمد على أساس أخلاقي للقياس . فالسعودية تذهب الى خدمة أميركا , فإن هي نجحت سجل النجاح لأميركا , وإن هي أخفقت سجل الإخفاق عليها . وإذا ما تجرّأت السعودية وطلبت من أمريكا شيئاً , فرفضت أمريكا التلبية , عُدّ هذا إخفاقاً يُسجّلُ على الولد الشقي الذي حاول إحراج سيّده . وأمريكا ترخي للولد الشقيّ العنان ليمارس كل أشكال الإفساد في خدمتها , فإن حقق نجاحاً سجل النجاح لها وإن فشل حملته المسؤولية عن الفعل ونتائجه .‏

ومع أن التفويض الأميركي للسعودية في استثمار الإرهاب هو تفويض مفتوح إلا أن هذه اللعبة الإجرامية االقذرة يجب ألا تُحسب على أمريكا , وإنما هي تحسبُ على السعودية حصراً وعلى من في حكمها من الحاكمين كحكام تركيا وقطر . إنهم في نظر الأمريكي كباش الفداء المنذورة للمحرقة إذا استلزم الموقف ذلك .‏

إن ما نفهمه , وما نحن على ثقة كاملة منه , هو أن هذه الدول العميلة لم تقدم على فعل شيء , صغيراً كان هذا الشيء أم كبيراً , دون رضى أمريكا المسبق , بل دون أمر أمريكي مسبق . فإذا نجحت في أداء ما هو مطلوب منها قيّد النجاح للإدارة الأمريكية , وإذا فشلت جرى تحميلها مسؤولية الفشل , بل عُدّ فشلها هزيمة . والنتيجة التي نخلص إليها هي أن إخفاقات وهزائم آل سعود هي إخفاقات وهزائم السياسة الأمريكية التي تعتمد عليهم في تنفيذ سياساتها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية