تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


على قاعدة تخريبية!

شؤون سياسية
الاحد 10/12/2006
مصطفى قاعود

السياسة الإسرائيلية ومنذ عهد بن غوريون استندت إلى ركيزتين أساسيتين في التعاطي مع المبادرات الداعية لإحلال السلام

في المنطقة, الركيزة الأولى أنه في إطار أي تسوية لا يجب إغلاق الباب أمام النزعة التوسعية الإسرائيلية, وهذا كان واضحا وجليا فيما أعلنه مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة العام 1951 وعبر عنه بالقول ( في المستقبل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الوقائع على الأرض) في حينه لم يتوقف أحد عند حدود ما ترمي إليه تلك العبارة ليتضح فيما بعد أنها بالنسبة لإسرائيل البديل العملي لقرارات الشرعية الدولية والمدخل لترسيم الاستيطان بوصفه ( وقائع على الأرض) وبما أن إسرائيل كيان بلا حدود فإن حدودها وفق منطوقها هي حدود ما يصل إليه الاستيطان مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة ضم المناطق المتاحة لهذا الاستيطان بوصفها مجالا أمنيا لا تلبث هي الأخرى أن تتحول إلى مستوطنات جديدة تحتاج إلى مجال أمني جديد وهكذا دواليك, والحال هذه وعندما تدعو إسرائيل المجتمع الدولي إلى التعاطي مع (الوقائع على الأرض) إنما كانت تؤسس للانقلاب على قراءات الشرعية الدولية وخلق مناخ دولي يمكن من إعادة النظر بها, وعلى هذا التأسيس دعا شارون صراحة في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت بعيد فك الارتباط عن غزة, الأسرة الدولية لإعادة النظر فيما أسماه ( القرارات الجائرة بحق إسرائيل) وهو يقصد القرارات المتعلقة بالقدس والاستيطان واللاجئىن وطلب ذلك على سبيل المكافأة لقاء فك الارتباط عن غزة والذي وصفه شارون بأنه إنهاء للاحتلال وهو ليس كذلك بقدر ما كان يخدم شعار ( يهودية الدولة) والخلاص من الخطر الديمغرافي.‏

أما الركيزة الثانية والتي تمد الأولى بقوة الدفع اللازمة تتلخص في التعاطي مع السلام على قاعدة إطالة أمده ومن ثم تخريبه, فإسرائيل لا تعيش هاجس إحلال السلام فهي لم تصل بعد إلى حالة من الضغط- لا أقول القناعة لأنها لن تصل إليها- تجبرها على التسليم باستحقاقات السلام وفق أسس الشرعية الدولية, إنما هي مضطرة للتعاطي مع مبادرات السلام لحفظ ماء وجه حلفائها في البيت الأبيض أمام الأسرة الدولية التي باتت تضغط أكثر من السابق لكسر ازدواجية المعايير التي تضم سياسة حليفة إسرائيل الاستراتيجية الولايات المتحدة التي استشعرت حرجا بعد حربين ليس فيهما مبررات استخدام القوة لتنفيذ الشرعية الدولية بذات القدر الذي يستوجب استخدام القوة حيال إسرائيل التي تعطل قرارات الشرعية الدولية منذ عقود فعلى الرغم من الكم الهائل من المجازر وعمليات التطهير العرقي التي نفذتها إسرائيل بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني على حد سواء لم يتخذ بحقها أي قرار تحت البند السابع وأصبح الفيتو الأميركي لحماية إسرائىل بمثابة الفضيحة وعليه أطلق بوش رؤية الدولتين وخارطة الطريق دون قناعة راسخة لإحلال السلام لأن ذلك ليس على جدول أعمال المحافظين الجدد ,لذا كان من الأسلم وفق منطوق الإدارة الأميركية طرح مبادرة للسلام متقدمة لفظيا عن سابقاتها مع ترك زمام المبادرة بشأن العملية برمتها بيد إسرائيل القادرة على تخريبها وذلك من خلال إطلاق العنان للمنظومة الذرائعية الأمنية الإسرائيلية اللامتناهية, والسبيل إلى ذلك ما سمي في حينه تفهم الولايات المتحدة لملاحظات شارون ال 14 على خارطة الطريق, واستنتج التفهم برسالة تطمينات بوش لشارون وظل بوش يتمسك برؤية الدولتين إنما لفظيا ليقف البيت الأبيض متفرجا ليتفرغ لمأزقه المتصاعد في العراق, وبهذه الطريقة المتدرجة انتقل زمام المبادرة من الرباعية إلى الولايات المتحدة ومن ثم إلى إسرائيل, وقد سهل تلك العملية الانقلابية على الرباعية أن خارطة الطريق بالصيغة الأميركية ومثل كل المبادرات الأميركية السابقة كتبت بصيغة حمالة أوجه, وتمكن إسرائيل الهروب من استحقاقاتها عندما توشك على الدخول حيز التنفيذ العملي, فعلى سبيل المثال استبدل مصطلح ( الحل القائم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية) بمصطلح حل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومن ثم إلى مصطلح ( حل متفاوض عليه) بشأن جميع قضايا الصراع الأكثر حساسية فقضية القدس التي حظيت بعشرات القرارات الدولية ومنها 4 قرارات مجلس أمن تتحول بقدرة قادر إلى قضية متفاوض عليها, وإن أي تسوية بشأنها وفق المنطوق الأميركي والإسرائيلي لن يؤدي إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنما سيكون الحل وفقا لإيقاع التفاوض الذي يفرض فيه الطرف القوي ما يشاء على الطرف الضعيف رغم أنه صاحب الحق, وكذلك هو الحال بالنسبة للاستيطان واللاجئين والمياه والحدود والسيادة والجولان وجنوب لبنان.‏

إذاً تلك هي استراتيجية التعاطي مع السلام على قاعدة تخريبية والتي توافرت لإسرائيل آلية دفعها نحو الأمام عبر ترك زمام المبادرة بيدها اعتمادا على الصيغ الفضفاضة وفزاعة الأمن القومي الإسرائيلي وللإيضاح وعلى سبيل المثال كان أول شرط من شروط شارون ال 14 على خارطة الطريق كما ورد نصا أن يعمل الفلسطينيون على منع الإرهاب وإحباط العمليات وحل البنى التحتية للإرهاب ولا تفرض قيود على نشاطات الجيش الإسرائيلي ضد الإرهاب على هذا التأسيس بنى شارون خطابه في مؤتمر هرتسليا الذي أعلن فيه عن سياسة الخطوات أحادية الجانب إذاً إسرائيل بشروطها الأمنية التعجيزية التي وجدت فتواها في تفسيرات خارطة الطريق تضع العربة أمام الحصان وتعوق انطلاق العملية ليس ذلك فحسب بل استبدالها كليا بعملية تقودها هي بنفسها ودائما ثمة متسع لعمل الجيش الإسرائيلي حتى لو تم التوصل إلى تسوية, فبعد تنفيذ شارون لفك الارتباط عن غزة قال: إن ذلك لن يمنع تدخل الجيش وإذا تطلب الأمر يمكن احتلال غزة بالكامل, وذلك التأسيس انتج مؤخرا مجزرة بيت حانون, إذاً إسرائيل تعلن صراحة أن لا مكان في أعرافها لاحترام أي اتفاق مبرم أو غير مبرم وأن جيشها جاهز على الدوام لقلب المعادلات على الأرض.‏

كاتب فلسطيني‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية