تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بولتون.. سقوط تأخر قليلاً..!

شؤون سياسية
الاحد 10/12/2006
د.جهاد طاهر بكفلوني

هاهو صقر آخر من صقور الإدارة الأميركية يهوي إلى قاع سحيق لا قرار له كجلمود صخر حطه السيل من عل مفسحاً الطريق لرفاق

آخرين يتبنون التشدد والتطرف والانقياد الأعمى للوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأميركية ليسيروا على الطريق نفسه نحو الهاوية, لسبب بسيط واضح وهو جعلهم مصلحة إسرائيل والعمل ليلاً ونهاراً وبالطاقة القصوى في خدمة مآرب هذا الكيان البغيض القائم على اغتصاب الأرض وإبادة سكانها الحقيقيين, مقدمين مصلحة إسرائيل على مصلحة بلادهم في كل شيء.‏

لقد كان جون بولتون مندوب واشنطن لدى الهيئة العامة للأمم المتحدة الذي قدم استقالته مكرهاً لا بطلاً آخر فرد يرحل عن مسرح الاضواء بعد أن اعلنت السياسة الأميركية أن الخشبة التي يقف عليها في محاولة يائسة منه لشد الجمهور إلى ما يقوم به من حركات مضحكة ومبكية في آن معاً بلغت حداً من الاهتراء جعل الوقوف عليها إلى أمد أطول مغامرة طائشة تنذر بعاقبة وخيمة.‏

ومع أن الرجل كما يعرف عنه الاقربون والابعدون مغرم إلى حد التهور باداء الحركات البهلوانية في كل مكان يتاح له فيه خطف الاضواء وهز أيدي المعجبين لينساقوا مع نشوة التصفيق له, إلا أن إدارته لم تسمح له هذه المرة بخوض مغامرة جديدة بعد أن اقتنعت أن فاعليته انتهت وبعد أن رأت انفضاض الجمهور المشاهد من حوله فآثرت الحسنى وأشارت إليه أن ارحل ولم يجد أمامه طريقاً إلا الرحيل غير مأسوف عليه إلا من حفنة قليلة من اولئك الذين يناصبون العقل والاتزان العداء الكبير.‏

لكن بولتون كما يشهد عليه تاريخه كان صقراً من نوع مختلف لا يشبه صقور الإدارة الأميركية, كان قبل كل شيء صقراً ورقياً منفعلاً لا فعالاً, يحب التغريد خارج سرب المتطرفين في تلك الإدارة, يشذ عنهم بالمغالاة في التطرف ورفع عقيرته بهذه المبالغة التي كانت تشكل لهم إحراجاً كبيراً في الأوساط والمحافل الدولية لكنهم كانوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى السكوت عن زلات لسانه وهناته وهفواته بل اخطائه كرمى لعيني رئيسه جورج بوش الذي لم يستجب لعدم رغبة الكونغرس في اختيار شخص آخر غير بولتون ليمثل بلاده في المنظمة الدولية.‏

تغريده خارج السرب لم يكن خافياً على أحد ولئن كان مع اولئك المتطرفين ينهل من إناء الانحياز الأعمى لإسرائيل إلا أنه والحق يقال سبقهم بأشواط بعيدة في الارتماء على صدرها الذي يراه دافئاً يتدفق حناناً ووداعة لتمسح له شعره فيغفو في حضنها مطمئناً حالماً برضاها.‏

ولم تبخل عليه إسرائيل بذلك الرضا الذي كان ينشده, أما عدته عضواً مهماً ضمن فريق بعثتها الموجود في نيويورك للدفاع عن حق إسرائيل في القتل والتدمير ورمي قرارات الأمم المتحدة في سلال المهملات, وجعلت الرجل يشعر بسعادة وغبطة لا قبلهما ولا بعدهما.‏

ومن يدري فقد يكون قد نظر إلى هذا الامتداح الإسرائيلي الذي ناله عن جدارة واستحقاق كوسام يفخر به فخره بتلوث أصابع قادة الكيان الصهيوني بالدم العربي الطاهر?!‏

رحل الرجل غضبان أسفاً لأن دوره في مسرحية (الحرب على الارهاب) أصبح دوراً ثانوياً ويعود سبب انكماش دوره إلى رغبة مؤلفي ومخرجي المسرحية في إيقاف عروضها الهزيلة لأنها لم تعد تحقق لهم ذلك الريع الذي حلموا بتحقيقه.‏

رحل بولتون لأن النظريات العظيمة التي اخترعها ولي نعمته الرئيس بوش سقطت دفعة واحدة, في افغانستان تنكمش مساحة الأراضي التي يبسط النظام الموالي لواشنطن سلطته عليها يوماً بعد يوم, وتتقلص هذه السلطة منسحبة إلى العاصمة (كابول), ناهيك عن أن النظام الذي جاء بعد سقوط نظام (طالبان) لم يستطع حمل جرار العسل ليسقي منها الشعب الافغاني بغير حساب..!.‏

(محور الشر) وكل ما أتى به بوش من تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان لم يعد بضاعة يهلل بولتون لرواجها لأن العالم بدأ يقتنع أن الإدارة الأميركية هي منبع الشر ومصبه, وأصبح هذا العالم قادراً على استنتاج وجود الأصابع الأميركية في كل بؤرة متفجرة في أصقاع الكرة الأرضية.‏

النعوش الأميركية العائدة من العراق وافغانستان محملة بأشلاء الجنود الأميركيين الذين ذاقوا الحتف المر هناك هي تلك الهدايا الثمينة التي وعد بوش شعبه بها بعد أن تنضج ثمار الديمقراطية.‏

ولقد اختار بولتون العمل في تجارة هذه الثمار إنتاجاً وتوزيعاً بالجملة والمفرق, ولئن كانت هذه الهدايا مغلفة بالورق الأنيق ليخفى على الشعب الأميركي محتواها فإن الشعب قد عرف أنها دسم مطبوخ بزيت مسموم, وأصبح انتظار عودة الجندي الزوج الغارق في المستنقعات العراقية والافغانية حلم الزوجة الأميركية التي لم تعد صابرة محتسبة, بل كفرت بكل قيم وأفكار الإدارة الأميركية في نشر الديمقراطية ومحاربة الارهاب.‏

سقوط بولتون لم يترك أثراً مدوياً لأنه كان مرتقباً كما تشير معطيات المنطق وإن تأخر قليلاً, ورحيل الرجل دليل على استمرار بوش في التخلي عن الأوزان الثقيلة في طائرته السياسية لأن حركتها غير مستقرة وهي مهددة بالسقوط والرئيس بوش يفعل كل ما في وسعه لتأخير هذا السقوط الذي لا نجاة منه لأن طرق النجاة كلها أمامه غير سالكة بسبب تراكم الاخطاء الفادحة التي لن يغفرها الشعب الأميركي له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية