|
شؤون سياسية ورياض الصلح في بيروت مساء يوم الخميس 7 كانون الأول (ديسمبر) 2006 هي أكثر خطبه إثارة, حيث هاجم سماحته الفريق الحاكم اليوم في لبنان, وقام بمكاشفة لعدد من الوقائع الخاصة بالموقف الحقيقي لرئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان, ووجه مجموعة من التهم المباشرة إلى أشخاص من هذا الفريق الحاكم وإن تحفظ على تسميتهم قائلاً: ايعرفون أنفسهم وأنا أعرفهم وأتمنّى أن لا يأتي يوم من الأيام أقول أسماءهم(, بعد أن اكتفى سماحته في مناسبات سابقة بالتعريض بالمواقف غير الشريفة وغير الوطنية لهذا الفريق الحاكم في معرض رده على الافتراءات التي يطلقها على المعارضة الوطنية في لبنان بشكل عام وعلى حزب الله والمقاومة في شكل خاص. ولئن تم التركيز على هذا الجانب الهام والحافل من الخطاب والسجال الذي أثاره الفريق الحاكم في معرض رده على هذه التهم المباشرة فيما ساقه من أقاويل لا يمكن أن تقنع أحدا في وجه المواقف والتصاريح التي اتخذها وأطلقها أعضاء أساسيون في هذا الفريق قبل وبعد وأثناء الحرب, والتي تؤكد صحة الحقائق التي كشفها السيد حسن في خطابه, ولئن تم التركيز على هذا الجانب فإننا سنحاول إلقاء الضوء على جملة من المواقف الأخرى التي لا تقل أهمية عن هذا الجانب الناري والتي لم تلق حظها الكافي من الاهتمام ربما لكونها أقل جاذبية إعلامية. أولى هذه النقاط الربط الضمني الذي قام به السيد نصر الله بين الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز وآب وبين جهد المعارضة لإسقاط الحكومة حيث أكد أن طرفي المعادلة في المعركتين هو واحد حيث قال: أليس من الصدفة أن تكون القوى اللبنانية على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والسياسية والمناطقية التي احتضنت المقاومة وشعبها في حرب تموز وآب هي نفسها اليوم التي تشكل المعارضة الوطنية اللبنانية وتدعمها, وكذلك ليس من الصدفة أنّ الشعوب والحكومات والأشراف في العالم الذين وقفوا إلى جانب المقاومة في الحرب هم الذين يقفون إلى جانب المعارضة اليوم. وفي المقابل, ليس من الصدفة أنّ كل أولئك الذين دعموا الحرب الإسرائيلية على لبنان هم الذين يدعمون بقية الحكومة الساقطة المتواجدة في السراي الحكومي). لكن وسائل الصراع في هذه المعركة مختلفة ففي وجه العدو الإسرائيلي لا يمكن القتال إلا بالأسلحة والصواريخ والبطولات والتضحيات والصمود الأسطوري الذي رأيناه ورآه العالم الأجمع على مدى 34 يوماً أما في هذه المعركة لإسقاط الحكومة فالوضع يختلف, حيث يؤكد سماحة السيد: نحن لسنا بحاجة للسلاح لنهزمكم, لأن سلاحنا فقط في وجه الصهاينة, نحن بأصواتنا نهزمكم, بدم أحمد محمود نهزمكم, بدم أي شهيد مظلوم يمكن أن تسفكوا دمه نهزمكم, بإصرارنا على الوحدة وعلى الأخوة وعلى الإلفة. فليسمع العالم وليعرف, خصوصاً الشعوب العربية التي يحاولون تأليبها على المعارضة اللبنانية بالأكاذيب, هم يقتلوننا ونحن نقول لهم : نحن نريد أن نكون معكم وأن تكونوا معنا سوياً. ولعل الأمر الذي يؤكد ترابط المعركتين كما يقول السيد هو أن )هذه الحكومة اللبنانية تلقت على مدى سنة ونصف من الدعم الأمريكي والغربي وما زالت ما لم تتلقاه أي حكومة في تاريخ لبنان, ألا يثير هذا الشكوك والشبهات? لماذا هذا الغرام الأمريكي بهذه الحكومة وبرئيس هذه الحكومة, لكن ما يثير الشبهة أكثر والشكوك أكثر هذا المديح الإسرائيلي اليومي لهذا الفريق الحاكم في لبنان, هل هناك وراء الأكمة ما لا نعرف وما نجهل ? أليس من العار أن تجتمع الحكومة الصهيونية المصغرة وهي عادة تجتمع عند ما يكون هناك أمر يتهدد أمن ومصالح إسرائيل أليس من العار أن تجتمع حكومة إسرائيل المصغرة وموضوع جلستها فقط كيف يمكن أن نساعد هذه الحكومة المتهالكة في لبنان?. ولكون هذا الفريق لا يزال يحظى بدعم البعض في لبنان سواء عن جهل أو عن جاهلية أو تعصب أعمى أو مجرد مصالح اقتصادية فإن المعارضة لا تطالب بشطب هذا الفريق من الخارطة السياسية )لأنّ تركيبة لبنان الخاصة المتعددة المتنوعة تعني أنّ حكومة فريق واحد وتسلطه كان دائما يضع لبنان أمام الحائط المسدود في كل شيء. لبنان لا يقوم إلاّ بالمشاركة وبالتوافق وبالتضامن والتعاون وليس بالإستئثار. هذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية وهي أن الحوار يبقى الحل الأفضل للأزمة حيث يؤكد السيد نصر الله أن )أبواب الحوار مفتوحة مع قادة المعارضة ورموزها وأبواب المبادرات مفتوحة, لكن بالتأكيد لسنا بحاجة إلى العودة إلى طاولة حوار فضفاضة لتضييع الوقت. لن نخرج من الشارع لنذهب إلى طاولة حوار يتم خداعنا فيها من جديد. نحن سنبقى في الشارع ومن يريد أن يتفاوض مع المعارضة ويتحاور معها فأبواب قادتها على اختلافهم مفتوحة(. وأحد حوامل هذا الحوار اليوم هي )مبادرة لمجلس المطارنة الموارنة الذي نحترم, نحن نعتبر هذه المبادرة تحمل العديد من الإيجابيات وتستحق أن تناقش وأن يُتَلاَقى على أساس بنودها فيُقْبَل ما يقبل ويُعَلَّق أو يؤجل ما يعلّق أو يؤجّل. النقطة الثالثة هو موضوع التلويح باحتمال الحرب الأهلية في لبنان حيث أكد السيد حسن أن هذا الأمر خط أحمر وأكد )للفريق الحاكم ولقواه السياسية, وللأسف, لبعض ميليشياته: نحن نرفض الحرب الأهلية. نحن نرفض الفتنة بين الطوائف أو الفتنة بين أتباع المذاهب, أو الفتنة بين القوى السياسية. نحن نرفض أي صدام مسلح في الشارع بل نرفض أي نوع من أنواع التصادم في الشارع(. ف (في الحرب الأهلية الكل خاسر. لن أقول لكم أنتم تخسرون ونحن نربح, لا, كلنا يخسر. كل اللبنانيين يخسرون في الذهاب إلى الحرب الأهلية أو إلى الفتنة المذهبية. في العراق الكل يخسر, في فلسطين الكل يخسر... والربح الصافي سوف يذهب إلى إسرائيل وأمريكا والمحافظين الجدد وأصحاب نظريات الفوضى الخلاقة. وانطلاقاً من الإيمان الكامل بجدية هذا الموضوع وأهميته فقد أعاد التأكيد والتشديد على موقفه الذي طالما تبناه سابقاً بأن )دم كل لبناني من أي طائفة أو مذهب أو حزب أو تيار سياسي أو منطقة لبنانية, إن دم كل لبناني هو دمنا, وإن عرض كل لبنان هو عرضنا, وإن مال كل لبناني هو مالنا, وإن بيت كل لبناني هو بيتنا. هذا هو الخط الأحمر الذي نحميه بدمنا لو سفكتموه, هذا هو الخط الأحمر الذي نحميه برموش عيوننا ولو تآمرتم علينا أو أردتم جرنا إلى فتنة. وفي السبيل للحفاظ على حرمة هذا الخط الأحمر فالاعتماد يكون على )ضمانة وطنية حقيقية هي مؤسسة الجيش اللبناني ,الذي أثبت حتى الآن بقيادته وضباطه ورتبائه وجنوده, أنه جيش كل لبنان. هذه الضمانة يجب أن نحافظ عليها جميعاً, ويجب أن لا نسمح بأي تشرذم أو تشقق في داخل مؤسسة الجيش, ويجب أن تترفع القوى السياسية عن التفكير باستخدام أي من ضباط أو جنود الجيش اللبناني لمصلحتها, لأن انهيار الجيش, لا سمح الله, سوف يفقد لبنان مناعته(. وهي الضمانة التي تمنى السيد نصر الله أن تمتد لتشمل قوى الأمن الداخلي الذي خاطبها سماحته قائلاً: )يجب أن تثبتوا أيضاً أنكم مؤسسة وطنية حقيقية, وأنكم لا تعملون لمصلحة فريق لبناني على حساب فريق لبناني, لتشكلوا أيضاً إلى جانب الجيش ضمانة وطنية حقيقية). وإن محاولة ضرب هذا الخط الأحمر عبر اللعب بورقة التحريض المذهبي هي خطيئة وجريمة تاريخية ودينية وإنسانية وسياسية كبرى, وإذا أخذت مكانها الطبيعي فإنها تحرق الجميع . التحريض المذهبي لعب بالنار, واليوم أنا أطالب بلجنة تحقيق عربية من جامعة الدول العربية أو إسلامية من منظمة المؤتمر الإسلامي, تأتي إلى هنا وتحقق. أنا أقول من يحرض مذهبياً أو طائفياً هو خائن, وليحققوا. من الذي يقدم اليوم خطاباً طائفياً أو مذهبياً? من الذي يحرض? من الذي يوزع بيانات تحلل قتل أبناء هذه الطائفة أو تلك الطائفة? من الذي يحول الصراع السياسي في لبنان إلى صراع مذهبي?, مطالباً بوضع معيار أساسي تتم من خلاله محاسبة كل القوى السياسية في لبنان وهي مواقفه الوطنية والقومية التي تخدم مصالح وطنه ومصالح أمته. بالإضافة إلى هذه النقاط كانت هناك ثلاث نقاط خاصة بحزب الله والمقاومة تحديداً: (الأولى): إن حزب الله لا يسعى من خلال هذا الاعتصام إلى زيادة حصته في السلطة, بل على العكس هو زاهد فيها حيث يؤكد أمين عام حزب الله بأنهم في الحزب ليسوا )طلاب مناصب ولا طلاب مكانة ولا طلاب شهرة, حتى في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة, نحن لا نطالب بحصة لحزب الله. إنني أعلن أمامكم بوضوح: إن المقاعد الوزارية التي تعطى لحزب الله في حكومة الوحدة الوطنية سنتخلى عنها ليشارك فيها حلفاؤنا في المعارضة. نحن لسنا طلاب سلطة ولا طلاب منصب, نحن أصحاب قضية, نفتديها بدمائنا وأبنائنا). (الثانية): هي عن موقع ومكانة المقاومة في العالم العربي والإسلامي وحول الحديث عن اهتزاز هذه المكانة نتيجة موقف الحزب والمقاومة من الحكومة حيث تساءل السيد إن كان اللبنانيون والعرب يرضون )أن نسكت أو ندعم حكومة يعلن عن دعمها كل يوم جورج بوش وإيهود أولمرت? هل تقبلون أن ندعم أو نسكت عن حكومة ثبت بالدليل القاطع أنها لا تملك قراراً وطنياً لبنانياً وإنما تخضع لإرادة وقرار السفير الأميركي فيلتمان ومن ورائه كونداليزا رايس?). (الثالثة): هي عن الحديث المكرر والخالي من المنطق الذي يكرره الفريق الحاكم عن مسؤولية المقاومة عن الحرب في تموز وما جرته من ويلات على لبنان, متجاهلاً تجاهلاً تاماً أنها انتهت بانتصار مؤزر للبنان والعرب وبهزيمة منكرة لإسرائيل, فرغم تحقيق الانتصار فإن من كان يسعى إلى الحرب ليست المقاومة بأي حال من الأحوال, والذي )يتحمل مسؤولية الحرب في تموز ليست المقاومة التي يعترف لها البيان الوزاري بوضوح بأنّ لها الحق بالعمل من أجل تحرير الأرض والأسرى. عندما يعطى هذا الحق للمقاومة المقاومة مقاومة وليست وزارة خارجية, المقاومة تحرر الأرض والأسرى بالسلاح وليس بالمفاوضات والدبلوماسية. نحن اُعْطِينَا هذا الحق في البيان الوزاري وفعلنا بالحق الذي أُعْطِينَاه في البيان الوزاري. الذي يتحمل مسؤولية الحرب والدمار هو الذي طلب من أمريكا وإسرائيل أن تتخذ هذه العملية ذريعة لتشن الحرب على لبنان). وفي الختام تعرض السيد حسن نصر الله إلى مستقبل عملية إسقاط حكومة السنيورة, حيث وجه سماحته إنذاراً أخيراً لهذا الفريق الحاكم فقال: اما زلنا نقول لكم تعالوا لنقيم حكومة وحدة وطنية, وأقول لكم: الوقت لا يلعب لمصلحتكم لكن إذا أصررتم على العناد ورفضتم, نحن الآن في المعارضة بدأنا ندرس خيارا آخرا, بعد مدة لن نقبل حكومة وحدة وطنية يرأسها أحدٌ منكم. بعد مدة سيتحول هدفنا إلى إسقاط هذه الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية تجري انتخابات نيابية مبكرة وأنتم تعرفون لمن الأكثرية ولمن الغلبة. في انتخابات 2005 أخذتم الأكثرية على عجل بقانون ظالم وبتحالفات المُخَادَعَة, في الانتخابات المقبلة لن يكون مكان للخداع لأنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.. بعد الإنتخابات المبكرة ستكون المعارضة أكثرية وستشكل حكومتها وسيرأس حكومتها شخصية سنية وطنية شريفة نظيفة نزيهة يعرف العالم كله نزاهتها). وختم سماحته بتقديم تعهد إلى هذا الفريق أنه بعد النصر المتوقع والمنشود للمعارضة الوطنية في لبنان اليوم )لن نلغيكم ولن نشطبكم, سنعطيكم في الحد الأدنى, أنا أوافق أن نعطيكم الثلث الضامن ونشارككم لأنّنا نؤمن أنّ لبنان بلد الشراكة والمشاركة والتوافق والتعاون. هذا ما اعتاده اللبنانيون والعرب وما يريدونه وما ألفوه من السيد حسن نصر الله هو (السماحة المقترنة باسمه). وقد عبر (السيد) عن (السماحة) في كلمته الأخيرة بمنطقه وأسلوبه وطريقته, وكان شفافاً وصادقاً (كعادته دائماً) في دعوته إلى الإخاء الوطني اللبناني ونبذ التفرقة المذهبية والدينية والفتن ورفض الاقتتال والحروب الأهلية. |
|