|
شؤون سياسية بالطبع, جيرجين لايغني منفرداً, ولا يبالغ فيما يقول ويتحدث من موقع سياسي معارض ففي كل ركن في واشنطن يبحث أصحاب المصالح,سواء كانت مصالح سياسية أم اقتصادية أم دولية, عما يطمئنهم إلا أن الأمور لن تتدهور أكثر فأكثر خلال السنوات الثلاث القادمة, إذ تشير مؤشرات كثيرة إلى أن الرئيس الأميركي يزداد ضعفاً وتتناقص شعبيته بسرعة مذهلة, وأن هذا الضعف يؤثر في أداء مختلف الأجهزة السياسية والادارية في الولايات المتحدة. الكل يردد أن الأداء السيىء من جانب حكومة الرئيس بوش خلال المواجهة مع اعصار كاترينا صار نمطاً لايتوقع الناس في أميركا أن يتغير في مواجهة إعصار آخر أو أزمة مماثلة. ( دين) مستشار الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون, وهو عضو مخضرم في الحزب الجمهوري, في مقابلة أجراها مؤخراً مع إحدى الفضائىات الأميركية عقد مقارنة بين الرئىسين بوش ونيكسون معلناً أن مصيرهما واحد. فالاثنان, في رأيه, كذبا على الشعب والكونغرس, ولابد أن ينال الرئيس بوش عقاباً كالعقاب الذي ناله الرئيس نيكسون. عشية الذكرى الخامسة لإحداث 11 أيلول وفاجعة العملية الإرهابية, قام فريق مستشاري البيت الأبيض قبيل انتخابات الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب, بتنظيم سلسلة خطب للرئيس بوش أمام جمهور قدامى المحاربين أو الاكاديميات للمؤسسات العسكرية, ما يضمن تجاوباً اضطرارياً يمكن تسويقه كدليل على استرجاع الرئىس شعبيته التي تدنت على نحو متسارع نتيجة فشل غزو العراق وثبوت انحرافها عن الحرب الحقيقية في أفغانستان, ثم فشل الادارة الحالية في معالجة نتائج أعاصير كاترينا وغيرها من مسببات انخفاض مستوى التأييد لسياسات الإدارة الحالية. وكان واضحاً تدهور صدقية الرئيس بوش حتى في أوساط حزبه دافعاً المرشحين الجمهوريين إلى عدم الالتصاق به, حتى وصل التنصل بعض الأحيان إلى المجاهرة بالاستقلال عنه. من هذا المنظور, وبعد مداولات كثيفة بين مستشاريه, وخاصة كارل روف, تقرر أن يقوم الفريق بإعداد صيغة توظف الذكرى الخامسة لعملية11 أيلول بإلقاء الرئىس الخطب الأربع مع التركيزعلى تخويف الأميركيين من أخطار الإرهاب وعلى أنه صار( خبيراً) في مكافحته ما أدى إلى تعميم مقولات مثل( الإسلام الفاشستي) وكل من يعارض هذا التركيز على الخطر الداهم للإرهاب يتهم بالجهل واللا وطنية وكل مساءلة سياسية أو قانونية للقوانين التي يفرضها بمثابة( ميوعة في التزام المعارضين مكافحة الإرهاب) بمعنى آخر أراد الرئيس بوش ومعاونوه استيلاد الخطاب الذي ساد فور الصدمة التي أحدثتها العملية الإرهابية في 11 أيلول.2001 واعتقد فريق المستشارين وجماعة المحافظين الجدد وشلة نائب الرئىس ديك تشيني أن هذه الحملة الكثيفة سوف تمكنه من استعادة المبادرة في تعبئة الرأي العام واسترجاع المترددين والمتمردين في الحزب الجمهوري إلى حظيرة الانضباط بما يمليه ويرسمه الرئيس بوش. إلى أن جاء الفصلان الأولان في تقرير شامل لوكالة المخابرات المركزية ليردعا هذا التمادي في تحريف الأنظار عن أكاذيب وذرائع وادعاءات ادارة بوش لتبرير الغزو على العراق ونتيجة لنشر الفصلين الأول والثاني سقط العديد من ركائز الحملة التي اعتمدها ولايزال فريق الرئاسة, ومهدت الطريق أمام محاسبة جادة عن دوافع الغزو على العراق. وقد أدى اعتراف الرئىس علناً بوجود سجون سرية بناء على تعليماته في عدد من الدول إلى احراج العديد من الدول الأوروبية التي تصرعلى معرفة من استضاف هذه السجون اللا شرعية. ولماذا أخفت الحكومة المعنية واقع وجودها, كما أدى إلى اضطراره لاستعجال طرح مشروع قانون يلبي شروط المحكمة العليا كما يريد هو. إلا أن أعضاء في مجلس الشيوخ من حزبه وخاصة( وارنر وماكين) عارضوا بعض بنود مشروعه, إضافة إلى أن تصميمه على التحايل على قرار المحكمة أدى إلى استياء عارم في الجسم القضائي, ما ساهم في التشكيك بنياته, وعندما قال الناطق باسم الرئيس أن مضامين لجنة مخابرات مجلس الشيوخ هي(مجرد اجترار لمقولات قديمة مر عليها الزمن) ازداد غضب معارضي غزو العراق, كما انضم إليهم الكثير من أعضاء الحزب الجمهوري. واعتبر هذا الاستهتار بالحقائق الدامغة في التقرير تعبيراً عن عدم احترام الفصل بين السلطات الذي يمارسه البيت الأبيض منذ خمس سنوات. أضف إلى كل ذلك, تفاقم الأوضاع في أفغانستان وبداية مظاهر فشل الحكم المدعوم أميركياً فيها, لكون إدارة بوش في تركيزها على حربها غير الشرعية على العراق, حرفت الحرب الحقيقية على الارهاب, خضوعاً لأولويات المحافظين الذين اخترقوا أجهزة صناعة القرار خدمة لأهداف المشروع الصهيوني في المنطقة باستهداف تفكيك الأمة العربية ومن ثم تفتيت مجتمعاتها وضمان غطاء لعدوانها ومحاولات الهيمنة على مصائرها. بعد أحداث 11 أيلول نشأ مايسمى الثنائية الخطرة: الإرهاب و مكافحة الإرهاب,ما أزال الفضاء الرمادي المطلوب لفضح املاءات وأكاذيب المحافظين الجدد واحتضانهم العلني للمشروع الصهيوني ولمباغتات الشبكات الارهابية المستنزفة لدماء المدنيين الأبرياء وحياتهم, ومحاولاتهم الدورية لتشويه ثقافة المقاومة الشرعية والحضارات الأصلية للعرب والمسلمين. الدرس لنا أن نتحرر من الانبهار وسطوة الاملاءات والانصياع لها وأن نعمل لمقتضيات التنمية والعدالة للإنسان العربي, ووحدة جادة للصف والموقف العربيين,وبالتالي اتخاذ الإجراءات اللازمة لعودة الحالة الرمادية التي تتيح الحوار المجدي والفاعل, كي نساهم في هندسة العالم بما يلغي الثنائية الخطرة ويعزز الديمقراطية عالمياً وداخل الوطن العربي الكبير. |
|