تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوميات عراقيين دون أمل ولا أحلام

التايمز
ترجمة
الاحد 10/12/2006
ترجمة رندة القاسم

وقبل أربعة أشهر ترك محمد عمله كمهندس بعد هجوم قامت به فرق الموت على الشركة التي يعمل فيهاومن

ثم اختطاف ثلاثة من زملائه والأكثر من ذلك أضحى يعرض حياته للخطر بمغادرته (الأميريه) وذلك مع قتل سكانها ومن بينهم جيرانهم وهذا كان يعني أن أي شخص يدخل أو يخرج من المنطقة يجب أن يكون سنياً وإلا أضحى هدفاً للشرطة والميلشيات.‏

اليوم يعيش الزوجان اعتماداً على ما ادخراه من نقود ويخرج محمد من المنزل لشراء الطعام وبين الآونة والأخرى يزوران والديهما اللذين يقطنان قريباً من منزلهما. وعدا ذلك نادراً ما يغادرا منزلهما ويتحدثان مع أصدقائهما عبر الهاتف, وزيارتهما لمكتب التايمش والتي تصادف الذكرى الثانية لزواجهما, كانت بمثابة المرة الأولى منذ سنة التي يعرضا نفسيهما فيهالخطر البقاء خارج المنزل بعد حلول الظلام.‏

لا تعلم عائلة (داوود) من هو وراء عهد الإرهاب هذا ولكنهما يشعرا بوجوده الخبيث في كل مكان ويسمعان بتقارير مستمرة عن عمليات الانتقام من أولئك الذين لم يوافقوا على ما يحدث, تقول ايناس: نشعر بأننا نختنق أكثر فأكثر لا نعلم ماذا سنفعل ونشعر باليأس وبالرغبة بترك هذا البلد ولكن هل ستنجب ايناس طفلاً لهذا العالم? تجيب: كلا في حال كنا واقعيين وعقلانيين ولكن الأمر جزء من طبيعتنا وهي الرغبة بأن يكون لدينا طفل.‏

قحطان عودة, حلاق, أعزب 27 سنة. في العراق وحدها قد يفقد الحلاق حياته لقيامه بتشذيب لحيته وهذا هو بالذات الخوف الذي يعيشه قحطان كل يوم فقبل سنة كان يعمل في دكانه ذي الواجهة المفتوحة غرب بغداد حين توقفت سيارة تحمل أربعة غرباء أحدهم ترجل ونادى قحطان وطلب منه أن يحلق له لحيته ولكن قحطان كان قد سمع عن حلاقي بغداد الذين قتلوا على يد متطرفي القاعدة لموافقتهم على القيام بعمل كهذا لذا شعر بأن في الأمر فخاً فقال بأنه لا يحلق لحى بتاتاً, عندها تركه الرجل ناصحاً إياه بأخذ الحذر.‏

على الفور أغلق قحطان دكانه وانتقل لمبنى جديد وبعد شهرين انتقل لآخر مع قناعته بأنه مراقب. دكانه الجديد في شارع جانبي ورغم ذلك تحطم مؤخراً بقنبلة والآن يحتفظ ب (AAK- 47 لحماية نفسه ووضع لافتة على نافذة دكانه تقول بأنه لا يحلق اللحى رغم أنه لا يزال يقوم بذلك للزبائن الموثوق بهم وهو يرفض مناقشة السياسة أو الأوضاع الأمنية مع أي زبون لا يعرفه وعوضاً عن البقاء في عمله حتى وقت متأخر من الليل أضحى يقفل دكانه قبل حلول الظلام ويقول إن سبعة من زبائنه على الأقل قتلوا.‏

يتمنى قحطان لو يغادر العراق ولكنه يحتاج الستين أو السبعين دولاراً التي يحضرها للمنزل كل أسبوع ويحلم بأن يغير عمله ولكنه لا يستطيع الحصول على عمل دون دعم سياسي ويقول: أشعر بالعجز ولا يمكنني وضع أي خطة فقط أحاول أن أعيش كل يوم بيومه ولكن بقائي في دكاني سيسبب قتلي أنا متأكد من ذلك.‏

محمد شاتي مهندس اتصالات خاطب 37 سنة: انتظر محمد أربع سنوات كي يتزوج خطيبته (لمياء) لكن المآسي تتتابع وتمنع ذلك.‏

يعمل الاثنان في شركة الاتصالات الحكومية وكان قد تمكن من اقناعها بالزواج منه حين غزا الأميركيون العراق في آذار 2003 وبعد شهر وعندما كان الظاهر يوحي بالهدوء قررا تحديد موعد الزفاف ولكن شقيق لمياء قتل خلال هجوم أميركي قرب الناصرية ومع انحدار العراق للفوضى قتل اثنان من أقارب محمد, وهما مزارعان أطلق عليهما النار خلال دفاعهما عن أرضهما, ولكن الآتي كان أسوأ ففي أيلول هذه السنة اختفى شقيق محمد وعمره خمسون سنة في منطقة الأعظمية بينما كان يقود سيارته عائداً لمنزله وبعد يومين وجدت أسرته جثته بين مجموعة جثث عرضت للتعرف عليها, وكان مصاباً بطلقات نارية في رأسه وجوفه وقد احترق صدره وذراعاه والتقطت جثته من نهر دجلة.‏

والآن يناضل محمد لإعالة زوجة شقيقه وأولاده الخمسة وأعمارهم بين الخمس والعشرين سنة.. وقد انتقل منذ فترة للعمل الإداري لأن عمله في التصليحات خارجا كان خطرا, ولكن الأجر فقط مئة وثمانون دولارا شهريا لذا يبحث بيأس عن عمل أكثر ربحا.‏

ويقول محمد: (صدام على الأقل وفر الأمن, فإذا بقيت بعيدا عن نظامه ستشعر بالأمان).‏

ومحمد اليوم قريب من الإحباط: إنه حال مروع وكئيب ولكن علينا تحمل ذلك, في العراق تعلمنا كيف نتعامل مع الحقيقة وننسى الأمل والأحلام).‏

ولكن هل يتزوج? يجيب محمد: ( إن شاء الله, الحب منح لمياء الصبر, ولكن ونظرا لطريقة سير الأمور يغدو الزواج أكثر صعوبة, وعندما أرى سيارة زفاف في بغداد أحدق بها وأتساءل هل حقا لا يزال هناك من يتزوج وسط كل هذا?‏

عمر العزاني- مدير تقني- عازب 33 سنة:‏

كان يوما يلعب كرة السلة باسم العراق وهو القادم من الغزالية, وهي منطقة غرب بغداد أثقلت بالقصف والرصاص والاختطاف, هرب أخوه للخليج في آذار, وفي تموز أسرت الميليشيات خالتيه وابن شقيقته, ولاحقا وجد عمر جثتهم في قبر بكربلاء وقد شق فم ابن شقيقته حتى وصل إلى أذنيه وبعد شهر هرب والداه إلى سورية.‏

في الأشهر القليلة الماضية كان عمر يعيش في فندق ولم يكن يجرؤ على مغادرته وباع سيارته مقابل خمسة وثلاثين دولاراً وحصل على هوية مزورة لتغيير اسمه.‏

الآن هو في السليمانية ينتظر تأشيرة سفر إلى الخليج يرسلها له أخوه ويقول: (إنه أمر صعب جداً, سأغادر أصدقائي وعائلتي وذكرياتي. ولا أعلم ان كنت سأعود يوماً, ربما أعتاد على حياة جديدة في مكان ما في دولة استطيع أن أمشي في شوارعها كأي كائن بشري طبيعي).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية