تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوعيد والاستجداء في السياسة الأميركية

منوعات
الاحد 10/12/2006
د.أيمن سوسان

أعتقد أن لا أحد يحسد الإدارة الأميركية على الحال الذي وصلت إليه سياساتها من التخبط والتعثر وصولاً إلى الفشل التام في كل ما أقدمت عليه مما أساء إلى سمعة الولايات المتحدة وقوض من مصداقيتها.

هذه السياسات التي قامت على مبررات واهية وروجت لها بمسوغات ما أنزل الله بها من سلطان بانتقائية وسلوك يتناقضان والأسس التي قامت عليها الولايات المتحدة نفسها, جعلت منها عرضة لانتقادات غير مسبوقة ولكن الصفعة كانت أقوى هذه المرة لأنها جاءت من داخل الولايات المتحدة الأميركية بل ومن داخل الحزب الجمهوري الحاكم أيضاً, سواءً بخسارة الإدارة الحالية لأغلبيتها في مجلس النواب والشيوخ, أو بتقرير بيكر- هاملتون فكان من الطبيعي أن تتدحرج الرؤوس المسؤولة عن هذا الفشل الواحد تلو الآخر, وتتقزم الطموحات من تحقيق النصر إلى الخروج من المأزق مع حفظ ماء الوجه فقط.‏

بادئ ذي بدء لابد من الاستنتاج بأن الذين خططوا لهذه السياسات الأميركية في افغانستان والعراق وفلسطين ولبنان كانوا أبعد ما يكونون عن خدمة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية, بل على العكس لقد أساؤوا إليها كثيراً لأنهم سخروا الولايات المتحدة لخدمة المشروع الإسرائيلي في المنطقة, وهذا طبيعي أيضاً لأنهم ينظرون إلى المنطقة بعيون إسرائيلية.‏

هذه هي الحقيقة وهذا ما أثبتته الأحداث, لذلك علينا الانتباه وإزاء النتائج الكارثية لهذه السياسات, عدم التحدث عن جهل هؤلاء بحقيقة الأوضاع في المنطقة, لأن الجهل بالشيء وإن كان لا يعفي من المسؤولية إلا أنه يخفف كثيراً من وطأة الحكم عليهم, لقد ألحق المحافظون الجدد أكبر الضرر بالولايات المتحدة الأميركية من خلال هذه السياسات الخرقاء وجعلوها منبوذة لدى الرأي العام العالمي وتشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين, في الوقت الذي كان حرياً بهم أن يستغلوا التعاطف الدولي مع الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول من أجل مكافحة حقيقية للإرهاب ومعالجة عادلة لأزمات العالم الأمر الذي من شأنه أن يكرس سيادة الولايات المتحدة على العالم أجمع.‏

لقد صنف المحافظون الجدد العالم إلى محاور خير وشر, تستند إلى أن من ليس معنا فهو ضدنا, والضد هو الذي يرفض إملاءاتنا فتحل عليه لعنة بوش وكيل العناية الإلهية على الأرض, سياسياً تترجم هذه المبادئ بالخضوع والرضوخ والاستسلام للنهج الأميركي, وإلا فإنك معاد للديمقراطية ومشجع للإرهاب ومناهض لمبادئ العالم الحر.‏

لقد بلغت الغطرسة والعنجهية حداً لدى المحافظين الجدد لدرجة أنهم اعتبروا العالم رقعة شطرنج فيها ملك واحد يدير الأمور كما يشاء وأسقطوا من حساباتهم أن هناك شعوباً حرة ترفض الانقياد والانصياع وتريد العيش بكرامة وفي سبيل ذلك تطلب الموت لكي توهب لها الحياة الحرة وتحمي حريتها وسيادتها.‏

على هذه الحقيقة وعلى وقع الفشل والتعثر طار حلم المحافظين الجدد واستيقظوا على واقع لا يأملون فيه إلا بالخروج بأقل قدر من الخسائر.‏

بعد التهديد والوعيد بدؤوا يهمسون بخجل عن ضرورة التحدث مع من كانوا يعتبرونهم دولاً مارقة, ولكن ليس من منطلق الاعتراف بأهمية أدوارهم ولكن من حيث المسؤوليات المترتبة عليهم أي يريدون من الآخرين أن يرمموا ما دمروه. نفس العنجهية والغطرسة والغرور, ولكن هذه المرة من موقف ينم عن الضعف نتيجة الفشل والعجز.‏

لا يهمنا إن اعترفوا بالفشل وبالعجز, فهذا واقع لا يستطيعون تغييره وإن حاولوا تغليفه, أما نحن فإننا نعرف مسؤولياتنا وما هو مترتب علينا انطلاقاً من التزامنا بقضايا أمتنا, ولا نطلب من أحد أن يعترف بدورنا, لأن هذا الدور ليس منة من أحد وإنما يفرضه التاريخ والجغرافيا والمبادئ التي تحكم سياساتنا والمتمثلة بالدفاع عن الحقوق العربية وعدم المساومة عليها سواء بالتهديد والوعيد أو بالاستجداء, ويبقى الحوار هو أقصر الطرق للوصول إلى فهم متبادل وقواسم مشتركة إزاء الأزمات الراهنة, ومن لا يريد الحوار فإنما يعزل نفسه وإن تعالى وادعى أنه يعزل الآخر.‏

لقد برهنت الأحداث على صوابية الرؤية السورية, وأن الصمود والثبات على المبادئ والواقعية في التعاطي مع التطورات وعدم المساومة على مصالح الأمة قد أكد مصداقية السياسة السورية التي يلتف حولها الملايين من العرب من المحيط إلى الخليج.‏

أما الآخرون الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا بيادق على الرقعة الأميركية فحالهم ليس بأفضل من حال أسيادهم وصدق من قال: إذا كانت عداوة أميركا مزعجة فإن صداقتها قاتلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية