|
شباب ويقرر البعض الآخر الاستقرار في بلاد اغترابه ليتحول وطنه الأم إلى مجرد مكان يقضي فيه إجازته السنوية.. وبخلاف النظر إلى الأسباب التي دفعت الشباب إلى السفر أو العودة تاليا أو قرار الاستقرار في الخارج لا بد من الاعتراف بأن ثمة منهم الكثيرون من يحمل في حقيبة سفره في طريق عودته للوطن الأم مستقرا أو زائرا أكثر من احتياجاته الشخصية بل ويضيف عليه أفكار البلاد الجديدة التي يعيش فيها وعاداتها وتقاليدها ليطالب مجتمعه القديم أن يتغير بل وأحيانا يتهمه ب (التخلف)..?! أمجد: أكمل دراسته في النرويج وعند عودته إلى سورية تفاجأ كما قال بحال مجتمعه الذي لم يتغير, يقول أمجد: كنت أظن أنه بعد سنوات غيابي هذه سأجد شيئا مختلفا في المجتمع ولكن للأسف بقي كل شيء على حاله, فقصص الناس وطباعهم لم تتغير.. المدن الشوارع, الأبنية على حالها.. الروتين الحياتي الممل ذاته.. باختصار لم يعجبني شيء هنا ويعلق أحد أصدقاء أمجد على رأي صديقه (المتنروج) قائلا: يبدو أن أمجد أراد أن يعود ليرى نرويج أخرى تنتظره مجددا في بلده, حال المجتمع الذي رآه أمجد انه لم يتغير, تحدث عنه الشاب طلال واصفا علاقته بمجتمعه ب (المؤقتة). ربما عمت المكاسب المالية التي تدخل جيوب بعض الشباب في المغترب بصيرتهم عن تعب الغربة وصعوباتها ليتمسكوا بقشور مكاسبها, كفادي الذي يعمل في دولة خليجية وجاء إلى هنا ليؤكد بوضوح: لم آت إلا للزيارة, مبررا ذلك بالقول: كيف أؤمن مستقبلي في بلد أكسب خارجها أضعاف ما يمكن أن أحصل عليه هنا.. أحسبوها بالقرش! الكثير من العائدين المؤقتين هؤلاء لم يكتف بانتقاد زحمة البلد وظروف العمل فيه ومردوده المالي على نحو غريب وغير موضوعي, وإنما راح ينتقد أهل البلد وعاداتهم وكأنه لم يكن يوما منهم.. يروي ربيع حكاية صديقه الذي غادر البلد وهو ينتقد الازدحام وصعوبة إيجاد وظيفة وعاد بعد أشهر فقط وهو لا يعجبه في البلد شيء حتى نحن أصدقاءه. شاب آخر استمع لحديث ربيع فتذكر حكاية قريبه الذي سافر إلى باريس وحين عاد للزيارة ما انفك يقول باشمئزاز أن هواء البلد يخرمش معلقا بذلك على هواء البلد وكأنه يريدنا أن نستورد هواء باريس لنكون متحضرين يعلق الشاب مستغربا. ويروي أصدقاء (ربا) التي أقامت في روما منذ سنوات عن صديقتهم التي عادت بعد سنة من العيش هناك بزي ولهجة مختلفتين عما غادرت به, بل وينقلون باستغراب تعليقاتها على أهلها وناس مجتمعها حين كانت تقول: أهل البلد مازالوا غارقين في التخلف في كل شيء, فرجوع الفتاة في وقت متأخر وسهرها في أماكن تحبها مرفوض وغير مرغوب, إضافة أن كل شيء يحدده المجتمع ولاحقا الأهل.. الناس هنا غير منفتحين, يخبرنا أصدقاء الفتاة أن صديقتهم نست أن لكل بلد عاداته وتقاليده التي يحترمها فراحت تتحدث في سورية كما لو أنها في روما وكما لو أن المطلوب من أهل البلد أن يسافروا إليها وأن يتطبعوا بطباع (روماها) حتى تبدو راضية عليهم. الحالة السابقة لا تعني التعميم, فثمة شباب أيضا لم تغيرهم سنوات الغربة وقد أدركوا أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي ليس بالضرورة أن تتناسب مع عادات مجتمع آخر, هذا هو حال (هديل) التي حملت رؤية معاكسة ل (ربا) رغم أن الاثنتين تقيمان في دول أوروبية تقول هديل عبر بريدها الالكتروني: (في الغربة نفتقد للحميمية والعلاقات الإنسانية المترابطة, وفي مجتمعنا الشرقي كثير من العادات التي تبدو نعمة قياسا بالعلاقات الاجتماعية هنا, حتى لو بدت جائرة). ندرك أن من حق الشباب أن يطالبوا بحياة أفضل في بلادهم, بل ولديهم كل الحق بالمطالبة بألا تكون الأبواب في بلادهم مغلقة أمام طموحاتهم, كما ويحق لهم المطالبة بمعالجة الأسباب الحقيقية لمشكلاتهم التي يعانون منها, ولكن ماهو غير مرغوب هو أن يخطط هؤلاء حياة الناس هنا, كما يشاؤون أو كما شاءت ورغباتهم وبلاد اغترابهم ويطالبون بتغيير جذري للمجتمع بما يتناسب وطموحاتهم ورغباتهم الشخصية فلكل مكان خصوصيته التي على الجميع احترامها, وعليهم ألا يسعوا لتبديلها لمجرد أنها لا تناسب متعة ماعاشوه في مكان آخر. |
|