تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في عشق غيفارا

كتب
الاربعاء 27/6/2007
(عشق غيفارا,كزبد بحر على لوحة, كريح بين النجوم) بهذه الصيغة الحالمة والمدلهة تفتتح آنا مينا ندس روايتها التي حملت عنوانا يشي بالمضمون على نحو واضح

(في عشق غيفارا) والفقرة الأولى من الرواية تضعنا على تخوم لا يصعب على القارىء تخمين الذي يليها حيث تقول البطلة والراوية بذات الوقت: ( أينما أسافر, أقضي يوم رحلتي الأخير بالجزء القديم من البلدة, اتلبث ساعات في المحلات العتيقة بأرففها المغبره) ولا يهم المكان بأي وجهة من العالم حيث تبدو المجلات والكتب القديمة والصور المصغرة مكومة إلى أعلى, أغامر متوترة, لعل حفري في ذكريات الآخرين يلطف مخاوفي ليلة الرحيل, فصور الغرباء تجلب عندي سكينة هنية) فالحفر في ذكريات الآخرين على أمل الوصول إلى الذات أمر واضح وجلي فيما تحاول قوله الكاتبة آنا مينا ندس في عمل يخلو من الإثارة الحقيقية المفترضة- كما يومئ العنوان- حيث نجد أنفسنا بصدد فتاة تعيش وهمها الخاص بشأن صلتها بغيفارا عبر والدتها تيريزا ديلندر التي كانت يوما ما عشيقة للبطل الحلم غيفارا.‏

لعل تيريزا ديلندر هي البطلة الفعلية للرواية أو الأصح هي الحامل الروائي لخارطة مينا ندس الدرامية. نجد أن تيريزا ديلندر المرأة المستقرة بزواج سعيد نسبيا تقع في غرام ارنستو غيفارا وهو في أوج انتصاره وذروة تألقه في هافانا يتأهب للزواج من خليلته الشقراء الجملية المعروفة لدى الجميع, فتعيش دوامة من المشاعر الجارفة بين الولع بغيفارا والغيرة من زوجته: (أرنستو هادىء, راقدة بالظلام أظن أني لا أفكر في شيء, لكن أفهم بعد وهلة أن ما يتشكل داخل العمار هو صورتها, فلم أصادفها, مع ذلك رأيت صورتها وسمعتك تقول إنها جميلة جدا, أفكر في أشياء أخرى, لكن عقلي يتمهل هنا معها, أغلق عيني فأتطابق أنا وهي).‏

تيريزا ديلندر نموذج كلاسيكي معتاد حيث تلك الأنثى التي تقع في هوة غرام لا قرار له, رغم موت المعشوق إلا أنها تعيش متعلقة بذيول مرحلة مرت في حياتها كما الحلم ولا نستغرب الخيالات الواهمة الشاردة والسارحة للبطلة إذا علمنا أنها رسامة: (وحدي بعد سنوات, في مرسمي, أسمع وقع أقدام خارج الباب, انتبه فأقف بهدوء جنب النافذة, طرق خشن على الباب, ومتعجل, والتفت قليلا بتذكر دخوله الناعم, نطق رجل لا أعرفه باسمي السري, الاسم الذي يعرفه وحده, سلمني رسالة بعد رحيله أمسكت المظروف بين يدي طويلا.‏

وددت لو أنتظر فلم أقدر, ومزقت المغلف ببطء, معبودتي, خارج لقتالي, سأحفر الأرض لك كهفاً لينتظرك هناك, سيدك بالأزهار في فراشه).‏

رغم الشاعرية البالغة التي غلفت مينانديس فيها البطلة محاولة افتعال هالة من القداسة لم توفق الكاتبة في تصنيعها لأسباب كثيرة, ربما أهمها أنها اختارت بطلا لروايتها شخصية عالمية إلى حد كبير بحيث يصعب تلفيق قصص غرامية عنه دون وجود شهود عليها لهذا بدت كاتبة الرواية بحالة لهاث لإثبات شرعية وحقيقة قصة غرام عابرة في حياة أرنستو غيفارا.‏

أيضا الغمز من قناة الثورة الكوبية حاضر على نحو غير مشغول بفنية يفترض أن يتميز بها قلم الكاتبة وحين ساقت بعض الملاحظات التي حشرت ضمن السياق بشكل بعيد عن الإقناع فضاعت ملامح الرواية كونها رواية أدبية تستلهم التاريخ أو كونها رواية قائمة على وهم تبحث عن تبرير أو تسويغ له عبر بضع أوراق قديمة: (اندلقت أوراق وصور لها رائحة أدراج معتمة وغرف مغبرة, تفكك بعضها بمجرد اللمس, وكانت بعض الرسائل مكتوبة بيد صغيرة كان كاتبها يهجس أسرارا في أذن.‏

أملت بداية أن أرتب الأوراق والتذكارات على أية هيئة من النظام أحسها, لكن مع كل إعادة قراءة كنت أجد نفسي تنسحب إلى شيء أعمق حتى خشيت أن أضيع بين الصفحات, أغرق في نقطة من دمي).‏

يصعب الزعم بأن عمل مينانديس عمل يقرأ بإثارة أو تشويق كما يحاول العنوان أن يقدم الرواية..?!‏

كذلك الترجمة لم تساعد النص على التخبط أصلا على انتشاله من شيء من الركاكة والملموسة في معظم الصفحات.‏

الرواية صادرة عن دار كنعان 2007‏

ترجمة محمد عبد ابراهيم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية