تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غزو الأعشاب الطبيعية

آراء
الاربعاء 27/6/2007
د. هيفاء بيطار

ليلى شابة في العشرين من عمرها, تعاني من البدانة, ولم تنجح كل الطرق التي اتبعتها لتخفيض وزنها,

إلى أن وقعت ضحية إعلان في جريدة إعلانية, يؤكد أن ثمة خلطة من أعشاب طبيعية إذا استخدمها الشخص (البدين طبعاً) فإنه يخسر 20 كغ من وزنه في أقل من شهر.. وأنه لاخوف من هذا المستحضر لأنه من الأعشاب الطبيعية! كما لو أن عبارة أعشاب طبيعية تعني الفائدة المؤكدة وتنفي أي أضرار جانبية.‏

واظبت ليلى على استعمال خلطة الأعشاب الطبيعية, وبعد اسبوعين سقطت مغشياً عليها, وتبين بعد نقلها للمشفى وإجراء التحاليل الدموية لها أنها خسرت كل البوتاسيوم والمغنيزيوم في جسمها, وإن هذا المنقوع العشبي الطبيعي الذي تشربه كل يوم له تأثيرات سمية رهيبة.‏

يتزايد عدد المسحورين بالتداوي بالأعشاب يوماً بعد يوم, بل أعرف الكثير من المرضى توقفوا عن تناول الأدوية التي وصفها لهم الأطباء وتحولوا إلى التداوي بالأعشاب!.‏

لا أقلل من قدرة الكثير من الأعشاب على المشاركة في علاج العديد من الأمراض, وأعرف منافع الكثير منها.. لكن يجب أن يعرف الجميع أن هناك أعشاباً سامة ولها تأثيرات خطرة على الجسم, وفي العدد الأخير من مجلة فرنسية طبية بحث مهم جداً عن أنواع من الأعشاب تستعمل لعلاج الإمساك تبين أنها تسبب مرض السكري, لأنها تؤثر بشكل لم يعرف بعد في وظيفة غدة البنكرياس.‏

السؤال الملح هنا والمهم: هل هناك دراسات علمية دقيقة عن الكم الهائل والعشوائي من الأعشاب التي تطرح في السوق?! وهؤلاء المتخصصون في المداواة بالأعشاب, ما مؤهلاتهم العلمية?! وهل يعرفون حقاً خصائص كل عشبة?! وما الدراسات التي قدموها للناس, أو على وجه أدق للجان طبية متخصصة تكون وزارة الصحة مسؤولة عنها.. لماذا تتكاثر صيدليات العلاج بالأعشاب, فنجد عبوات أنيقة وأكياساً تنافسها في الأناقة تضم حفنة من الأعشاب, الله أعلم ماهي وما تأثيرها على الجسم.. والكثير من هذه العبوات والأكياس لا تقدم للمستهلك أي معلومات عن محتواها.‏

ومن باب الفضول دخلت العديد من هذه المحال المتكاثرة, وتظاهرت أني أبحث عن علاجات معينة وكانت الأجوبة كارثية في كل الأحوال, فقد قدمت لي شابة أنيقة زجاجة صغيرة مملوءة بسائل أحمر وقالت إنه خلاصة عشبة نادرة, وتفيد في منع تساقط الشعر, وحين سألتها لماذا لم يضعوا اسم العشبة على الزجاجة, ابتسمت ساخرة, وحين سألتها عن ثمنها قالت: ألف ليرة فقط.‏

عبوة أخرى تضم مسحوقاً مصفراً قالت: إنها خلاصة خمسة أعشاب وإنها تستعمل لعلاج الربو, وغيرها لعلاج أمراض الكولون.. ولم يخف على صاحب الدكان الأنيق أن يوسع اختصاصه ليشمل الجهاز العصبي والطب النفسي فثمة أعشاب تشفي من العصاب القسري الوسواسي, وأخرى رافعة للمزاج, وأعشاب تساعد على النوم, وأخرى تساعد على السهر والتنبه.. الخ.‏

ما مسؤولية وزارة الصحة في تكاثر هذه الصيدليات المشبوهة التي تبيع أعشاباً طبية للناس تحت غطاء جذاب, ومطمئن إنما طمأنينة زائفة: التداوي بالأعشاب!! ولماذا لا يلزم هؤلاء بكتابة تفصيل المواد التي تضمها العبوات أوالأكياس?!‏

ثم هل حقاً هناك دراسات دقيقة عن هذه الأعشاب وتأثيرها على الجسم? يجب ألاننسى أن الحشيش عشبة, وكذلك الأفيون.. والكل يعرف تأثيراتها السمية والمدمرة للصحة.. فهل ننقاد مغمضي العيون والعقول إلى التداوي الأعمى بالأعشاب?.‏

وللأسف تلعب الفضائيات دوراً رئيسياً في انتشار التداوي بالأعشاب, وكل يوم نجد العديد من الأصناف الجديدة المطروحة في السوق, تقدم للمشاهد بإطار جذاب وتحت حماية مؤكدة, التداوي بالأعشاب, كما لو أن هذه العبارة لا تثير أي شبهة.. بل لها تأثير سحري على الناس.‏

أظن أن الهوس بالتداوي بالأعشاب يعود لرغبة الناس بالتجديد, لعلهم ملوا من الطرق التقليدية للتداوي, ملوا من الدواء والوصفات الطبية والأطباء, ومن الطرق التشخيصية العلمية, تحاليل دموية, صور شعاعية.. الخ فانساقوا للتداوي بالأعشاب محملين تلك الطريقة الجديدة أحلامهم بالشفاء, وبتحسين صحتهم الجسدية, وتجميل مظهرهم الخارجي.‏

كان يمكن لليلى أن تموت بسبب استعمالها تلك الخلطة ا لعشبية الطبيعية المنحفة لو لم يتم إسعافها ومداواتها في المشفى.. وأنا واثقة أنها ليست الضحية الوحيدة التي سقطت في فخ اعلان غامض في مجلة اعلانية تضمن للمستهلك أن يخفض وزنه أكثر من 20 كغ في الشهر.. أين غابت عقولنا وقدرتنا على المحاكمة? أي كل دواء غير ضار هذا يذيب الجسد بهذه الطريقة?! هل نحتاج لتفكير كي ندرك أنه سم.‏

ليت وزارة الصحة تكلف لجاناً لمراقبة بائعي الأعشاب والأوهام للناس هؤلاء الذين يحققون أرباحاً خيالية من عبارة: التداوي بالأعشاب الطبيعية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية