تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


برج هش ..

رؤية
الاثنين 3-3-2014
سعاد زاهر

كأنها برج بني سريعا.. لأن أصحابه يحتاجون لمرابحه السريعة..

شكله متقن.. ولكن شققه تحتضن عائلات متنافرة.. ربما أفرادها متميزون.. لكن يبدو البرج أشبه بسجن.. يتقوقع كل على ذاته..‏

متجاهلا.. او لاغيا للآخر..‏

هكذا تبدو ثقافتنا.. أشبه ببرج شيد عبر فترات زمنية طويلة.. يمتلك أسسه.. تاريخه.. شخصياته.. لكنه رغم الانجاز والتعب.. فجأة يضيع ماضيه.. يستلب منه بإرادته..‏

بدل أن تضج الحياة في برج ثقافتنا.. كل نوع يعيش في شقة خاصة به.. وكأنها جزء من طقوس ثقافتنا.. ألا تصل إلا إلى جزء يكتشفها بشكل طارئ.. حالة ظرفية ينصرف بعدها إلى شؤونه الأساسية..‏

ربما.. يقرأ رواية.. أو يشاهد فيلما.. أو يحضر مسرحا.. مجرد احتيال على الوقت.. لارحلة بحث صميمية لاغناء الذات.. وتطوير الشخصية.الدائم. بما يجعلها قادرة على فهم عصر مختلف.. غامض.. بات عصيا علينا دخوله.. !‏

ليست مشكلتنا مع فنوننا وثقافتنا.. التناقض.. والتكرار.. والتنافر والهروب من الانسجام وكأنه تهمة.. نعيش مع تنميط لثقافتنا.. يأتينا من اتجاه وحيد.. دون ان نمتلك إمكانية صده بقوة منتوجنا الثقافي الحالي.. !‏

بابتعادنا عن ثقافة فعالة باتت اغلب شخصياتنا العربية تشبه دمى صنعت على عجل.. مبرمجة في سياق محدود.. أما الأصل فهناك حيث يضخون إلينا أفكارهم وصورهم.. وتقنياتهم نتشبه بها.. لايسمح لنا أن نتوازى مع الأصل..‏

مسموح لنا فقط أن نعيش في جحيم عالمنا العربي.. كل يوم بمذاق جديد.. يفضي بنا إلى دهاليز طويلة جدا من التبعية والتخلف.. معتقدين أننا نناضل وأننا إنما خلقنا من اجل هدف نبيل..‏

مسموح لنا أن نعيش في أبراج.. مسموح لنا أن نتعارف.. أن نشتري بضائعهم.. ونشاهد برامجهم.. ونستمع إلى أغنياتهم..‏

لكن ليس مسموحا لنا أن نبتكر.. أن ننجز.. أن نتقن الدخول الى عصر جديد..‏

وتحدي هيمنتهم.. يجعلنا ندفع ثمنا باهظا..‏

تمضي ثقافتنا وكأننا لانحتاج إلى حياة ثقافية حقيقية مادامت تنتعش في مكان آخر..‏

وكأنها استعارة.. تستعيض عن المعنى الحقيقي.. بصور متناثرة، متناقضة.. لاتسمح لنا بعيش الحياة واختبارها.. إلا بمنظور ضيق.. مكتفين بالفرجة والتقليد.. والاستهلاك.. تاركين لعالم آخر بفرض مضامينه الثقافية.. محاولين التضييق على سلطته بطرق يحكمها سذاجة الأسلوب وضعف الأدوات..‏

soadzz@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية