|
معاً على الطريق هل تستطيع أن تتخيل الحريق الذي يشتعل في قلبها ؟ بمجرد أن تبتعد عنها وتغيب في منعطفات الطريق . ستهرع إلى ثيابك ترتبها وتشمها , وإلى وسادتك تتأملها ..ستفتح باب خزانتك وتتفرج على ثيابك المعلقة ..ستنهمر دموعها وستتوسل إلى الله أن يوصلك بالسلامة . أما إذا كنت جنديا» من جنود الجيش العربي السوري الذين يرابطون بين الموت والحياة ..فإن الأم تمسك بقلبها وتطلقه خلفك ..يتبعك القلب ..ويتهجى خطواتك بينما تحوّم روحها فوقك..صدقني هي تكون معك ..وتكون إلى جانبك , تحمل السلاح وتقاتل وتتعب مثلك ..تجوع وتبرد , ويسيل دمها قبلك ..لذلك هي تعرف إن كنت فرحا أو حزينا وتعرف إن كنت موجوعا أو مريضا وتدرك متى تصدق في كلامك ومتى تكذب عليها ..فلا تكذب على الأم لأن الأم تبصر بقلبها وتراك ولو كنت في آخر الدنيا . لهذا لم تصدق ( أم البطل خالد خلف (ابنها حين اتصل وقال : أنا بخير يا أمي ..كرر لها ذلك عدة مرات , واضطر لأن يحلف لها بأنه بخير لكنها لم تصدقه ..قالت له ..لقد شاهدت حلما.. وحلم الأم لا يكذب ..مع ذلك حاول الضابط خالد الذي أصيب وقطعت رجله أن يخفي ألمه عن أمه وأن يؤكد لها بأن التغطية هي التي منعته من التواصل معها , وأن هناك قنصا قريبا ولا يقدر أن يطيل المكالمة وهو مضطر لأن يقطع الخط . لو أن خالد لم يقطع المكالمة . ربما كان تلعثم وارتبك لأن أمه كشفته ..وربما كان اعترف بأنه جريح ..على كل حال أمه تعرف ..ربما لا تعرف التفاصيل , لكنها تعرف بأن فلذة كبدها متعب ..قلبها الذي يرافقه أخبرها .إنها قادرة على قراءة تفاصيل صوته نبرة , نبرة وهمسة همسة .فهي التي علمته الحروف وهي التي صاغت له جملته الأولى , وهي الوجه الآخر للوطن الجريح ..هي سرّ أسراره ..وبالتالي أدركت أنه يهرب من الحقيقة حتى لا يوجعها ولكن إحساسها كان أصدق من الخدعة البيضاء فقلبها يقول شيئا آخر . قصة أم خالد هي قصة كل الأمهات , اللواتي يفارقن أكبادهن .قد يكذب الابن على أمه حتى لا يسبب لها الألم , وقد تدعي الأم بأنها صدقت وأيقنت أن ابنها بخير , لكن هناك إشارات تأتيها وتدلها على أن ابنها متعب أو يمر في ضائقة ..وما أكثر الضيق الذي يعانيه شبابنا السوريون ..وما أشدّ الألم الذي تعيشه الأم السورية .ثلاث سنوات تقريبا والأمهات يحملن أكبادهن ويمشين بها نحو الله . ثلاث سنوات ونهر الفراق لا يتوقف .قف أيها الألم لقد كسرت ظهر الأمهات . أتذكر أن أمي ( يوم كان لي أم ) أنها كانت تعرف بي حين أتوجع ..وتسمع صوتي حين أبكي ..قالت لي مرة وكنت مسافرة ( أنا أسمع صوتك أحيانا» .وحين تقولين آخ أحس بك )..يومها ابتسمت ولم أفهم ماذا تعني ..لكن عندما أصبحت أما» أدركت أن الأم فعلا» ترى بقلبها وتسمع شهيق أولادها ولو كانت في قارة غير القارة التي فيها أولادها ..وإذا ما أجرينا استطلاعا لأمهات الشهداء ولأمهات ( الجرحى ..قامات السنديان ) لأكدن جميعهن معرفتهن بإصابة أبنائهن قبل أن يأتيهن الخبر اليقين ..لذلك لا تكذبوا على الأمهات .إنهن موصولات بالأبناء أينما كانوا .فهل تعرفون ماذا تفعل الأم في غياب أبنائها ؟ كلما طبخت طعاماً يحبونه تتذكرهم وتتحسر على الفراق ..وكلما سمعت صوتاً يشبه أصواتهم تتمنى لو يفتحون الباب ويدخلون ..وقد تتخيل أنهم قادمون لذلك ترتب لهم السرير وتحضر الطعام . تجهز لهم الثياب .وكم تتبعثر روحها حين لا تصحّ نبوءتها ..لكن في معظم الأحيان تكون نبوءة الأم صادقة ..................................................................... أوجعني حديث ) قامات السنديان ) لكنه أكد لي أن الشعب السوري شعب أبي , صابر , مؤمن بأرضه وكرامته ..لذلك لم يترك البطل خالد المعركة .لم تهزمه الجراح ..إنه نموذج للشاب السوري الصامد .إنه خالد فعلاً في ذاكرة الوطن وفي قلوب الأمهات ..لك آلاف الأمهات أيها البطل ...كل أمهات الشهداء والجرحى أمهات لك ..ولك أمك العظيمة سورية فلا تكذبوا عليها . هل تعرفون ماذا يحدث للأم عندما يصاب ابنها ؟ ينزف قلبها وتأخذ الحياة جزءاً من روحها لتبقى أبد الدهر مكسورة القلب . ( لعن الله من كسر قلب الأم السورية ..لعن الله من خان أمه) . |
|