|
شؤون ثقا فية أقصد الحضور القسري في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية- أي أننا لاننام ونحن نغمض أجفاننا على صورته ولا نستيقظ على صداح صوته النشاز ولغته المبتورة... أي موجود بقوة الابداع على الرغم من عوادي الزمن وتقلباته, لاشلة تدعمه ولا توسعات تروج له وليس لديه ولائم في أفخر المطاعم, ولايسعى إلى إقامة ندوات وأمسيات شعرية في توسعات ومراكز ثقافية, ولا يجتمع عشرات النقاد ليقدموا معلقات المديح لمجموعاته الشعرية....! ليس لديه شيء من هذا ومع ذلك فإن حضوره أقوى من حضور الحاضرين المؤقتين الغائبين بعد لحظات... ما الذي يجعل النابغة الذبياني والأعشى, وحسان بن ثابت والفرزدق والاخطل والمعري والمتنبي وأبا تمام وأبا فراس الخ... آخر ما في القائمة ما الذي يجعل هؤلاء يعيشون في الذاكرة والعقل والقلب ويشكلون لدى أي منا زاداً حقيقياً ومخزوناً جمالياً يلوذ به , دون غيرهم من شعراء الحداثة وما بعد الحداثة التي ينظرون لها اليوم....? سؤال يخطر في البال... ليس للمعري أو للمتنبي أو أحمد شوقي أو بدوي الجبل أو نزار قباني أو عمر أبي ريشة والشعراء اليوم من مجموعات شعرية من حيث العدد لا الكيف... بدوي الجبل( ديوان واحد) ربما لايتجاوز في صفحاته ال600صفحة وقياساً على إبداعه ورحلة عطائه لو أخذنا أي شاعر أو شاعرة من عباقرة اليوم لوجدنا ان ما أضافه اليوم إلى رصيدنا من استهلاك الورق والحبر يصل إلى10 مجموعات شعرية و(5) مجموعات قصصية وربما دراسة ندية مملوءة باللغو والحشو والمصطلحات النقدية المترجمة والتي قد لايعرف معناها, وربما يصل الأمر به بعد سنوات إلى جمع ما كتب عنه أو عنها في كتاب وتقديمه على أنه شهادات نقاد... غزارة في الانتاج وندرة في الإبداع... حبر يراق على الورق ومجموعات تتكدس على الأرصفة بعد أن يلقي بها من أهديت إليه.. نبض الذاكرة... أود أن أسأل: من الذي يستطيع أن يقرأ من ذاكرته الآن مقطعاً شعرياً حداثياً أو ما بعد حداثيّ لواحد من الشعراء الذين ينتشرون انتشار النار في الهشيم... لا أريد أن أذهب بعيداً في التعميم إذا كانت ساحتنا الابداعية الآن تقدم كل عام أكثر من/500/ مجموعة شعرية وهذا رقم متواضع حسب ما نسمع, فمن الذي يستطيع أن يقف ومن ذاكرته عند أسماء/10/ مجموعات شعرية, بل من يستطيع أن يقف عند ثلاثة شعراء أو شاعرات ويحتفظ في ذاكرته بمقطع أو صورة شعرية جميلة من إبداع هؤلاء...?1 لا أريد أن أصادر الإجابة ولكن المشهد العام يدلل على أن بعض الشعراء أنفسهم لايذكرون عناوين ما قدموه من مجموعات شعرية فكيف بعناوين القصائد أو القصائد نفسها إن صحت التسمية وهي تجاوز الشعر...? ربما يسأل أحد ما : لماذا الإصرار على الذاكرة ومخزونها الشعري... ما الذي يجعلك الآن تطرح مثل هذا السؤال...? بل لماذا المقارنة بين أجيال من المبدعين والمبدعات مع تغير الأحوال والوقائع والمعطيات... في الإجابة يمكن القول: إننا أمام هذه المقارنة نقف على أحد أسباب غياب الذائقة الجمالية لدى متلقي الشعر, فالشاعر الذي لايجيد حتى إلقاء شعره أو معرفة أوزانه ولذا يلجأ إلى ما يسمى قصيدة النثر- مثل هذا الشاعر أو الشاعرة هو الآن سيّد المنابر والوسائل الإعلامية أي أنه يوجه المشهد الثقافي ويجب أن يشكل إطاراً للإبداع... وإذا كان اليباس يلف قصيدته قبل أن تولد فكيف ستصل إلى المتلقي وتدخل إلى ذاكرته وتصبح جزءاً من تكوينه الجمالي وتغذي ذائقته...? من ذا الذي ينصح اليوم شاعراً, مبتدئاً أن يحفظ عشرة آلاف مقطع شعري من شعر اليوم وينساها وينسج على عنوانها ليصبح شاعراً أظن ودون شك أن مجرد هذا الطرح على أي شاعر أو شاعرة سيجعله أو يجعلها يقلع عن الدخول في هذه الغابة الشائكة , بل أقول نيابة عنه: الموت والأهوال دون ذلك بل جمع الدقيق المزروع في حقول الأشواك أهون لأسباب تتعلق بالنصوص ذاتها وبالشاعر نفسه... وإذا ما وسعنا السؤال وطرحناه بشكل آخر: من الشاعر أو الشاعرة التي تحفظ مقطعاً من قصائد زميله أو زميلته ويردده بشكل دائم, بل من المتلهف من هؤلاء لمعرفة التطور الذي أصاب أسلوب شاعر آخر...? بل وبصيغ أخرى: من الشاعر أو الشاعرة التي تلقي قصيدة في مكان ويتهافت المتلقون ووسائل الاعلام على أخذها ونشرها وحفظها, بل ونشرها بين الأصدقاء والأحباء كما كان يحدث مع قصائد /محمود درويش/ بدوي الجبل/ نواب الجواهري/ قباني/ طوقان,,,الخ.. غربال الزمن... إذا كان النقد والنقاد غائبين وتركوا الساحة للولائم والمجاملات وللمقالات التي لا تشبه إلا السير في حقل الأشواك... فإن ثمة ناقداً لا يغفل كثيراً عن مهمته بل يفرز بهدوء وعلى مهل هو الزمن الذي يخلد الابداع الحقيقي, الزمن هو الذي يجعل بيت شعر واحد يعطي صاحبه شهرة تملأ الآفاق, ويحرم منها شعراء أو شويعرين دونوا مجلدات ومجلدات وبقيت حبراً على ورق, وإذا كان غربال الزمن كفيلاً بأن يزيل الصدأ عن الابداع الحقيقي, فإن في المسافة الزمنية أخطاراً تتكدس فليس لدى أجيالنا الصاعدة المتسع من القمم الابداعية الحقيقية الآن, وبالوقت نفسه هناك من يعمل على حجب روائع الابداع الحقيقي عن وعي أو دون وعي ولغايات متعددة, فالإبداع الرديء لا يزدهر إلا في غياب الأصيل, وربما تطول الغيبة في ظل غياب دور فاعل وحقيقي للنقد والنقاد... وما ينسحب على الشعر هو ذاته في الرواية والقطعة والفن التشكيلي... وحتى يفعل الزمن فعلته وتستقر أحكامه علينا أن نعنى بتراثنا الغريب وأن نشكل ذائقة جمالية تعيد ألق الإبداع وتجدده وتدفع به إلى مصافٍ عليا لا أن يبقى يباساً وكلمات تفقد نبضها قبل أن يجف حبرها... ونهمس في أذن بعض الشعراء: هل تحفظون شيئاً مما تكتبون... الابداع الحقيقي ما تحفظه القلوب وتردده الألسن لا ما يحفظ ويكدس في أوراق يعلوها الغبار .... |
|