|
شؤون سياسية بين الرئيسين الدكتور بشّار الأسد والعماد ميشال سليمان, أزاح كوابيس هائلة, كانت تتحكّم بحبرنا وسلوكنا وتوجّساتنا. وقلنا ليس المهم من يضحك أولاً في استراتيجيات العلاقات بين الدول والشعوب, بل من يضحك في الآخر, ولو صمت في الأول. نعم, التزمت سورية, في الفترة الماضية, الصمت والدماثة والعقلانية, حيال من تعرفهم وتعرف عنهم أكثر مما يعرفون عن أنفسهم, ولم تجرّح أحداً بكلمة واحدة. نامت على الجرح, وتغاضت فاتحةً مساحاتٍ واسعة فوق حدّ السيف الذي كان يشهره العالم في وجهها, وللأسف كانت القبضة في بعض لبنان تشارك في عامودية النصل. تلك هي شيم الأقوياء والأكابر, على الرغم من أنها كانت وحيدةً ومعها كنّا نعاند الدنيا كلّها. لم تفتح ملفاً واحداً يسقط معه قليل وفاء أو غادرٍ في حفرة الإزدواجيات التي كنا ننتظر أن يقع فيها العديد من سياسيينا أمام مصفقيهم الكثر البسيطين, والذين كانوا يميلون مثل موج البحر أو مثل رياح الخريف. صمت سورية القديم, وصمت العماد ميشال سليمان القديم, على الرغم مما حصل قبل انتخابه, والأرجح بأنه كان يبري قلمه وموقفه للوقت المناسب. أمس, طرحنا سؤالاً له دلالة كبرى مع انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية, هو: من انتخب الرئيس? الذين كانوا في الصالة في مجلس النوّاب يمارسون فعل الإنصات والإقتراع ثمّ الإصغاء للخطب بما فيها خطاب القسم الذي قد ينقذ الكباش حول البيان الوزاري, أم الذين كانوا على البلكون, وهي كلمة فرنسية, تعني الشرفة, ونقصد بهم سفراء الدول الكبرى الذين ما لانوا منذ الرابع والعشرين من نيسان 2005 من محاولات محاصرة ملفين أساسيين هما المقاومة وسورية وعزلهما? طبعاً هذا سؤال يحمل جوابه التاريخي الذي يعني عدم قدرة لبنان السياسي, على التخلّص من تقاليد الإرتماء في أحضان الخارج أي خارج في إدارة البلاد. تلك معضلة قاتلة, منذ أربعينيات الإستقلال, خلقت تشظيات كبرى في لبنان, ولم تخلق وطناً مستقراً آمناً عالي الصوت كما الأوطان, ولا أورثت استراتيجية تليق بمستقبل لبنان ومستقبل أجيالنا المبعثرين في مدن العالم. قلنا ما لانوا من الهجوم على سورية والمقاومة تحديداً, الأمر الذي أوقف شعور حبرنا لهذا الإنقلاب والتبدّل الغريب الذي كان لا يمكن تصوّره في الخيال, ونقول لم نلن كمعارضين ومحتجين وموضوعيين من مقارعتهم بالحبر والموقف والترصّد لهذه الهجمة التي نتمنّى أن تحذف من جدول تاريخنا وألا تتكّرر. لماذا هذا الكلام اليوم? لأسبابٍ متعددة أولها الخلل الحاصل في الخطب السياسية والوشوشات الكثيرة والتناديات الى السهرات والحلقات التي أعقبت زيارة الرئيسين السوري واللبناني الى باريس وكذلك الأمير القطري راعي تضميد الجروح الكثيرة التي أورثها هؤلاء السياسيون الذين جعلونا نتعرّف على العجب العجّاب في أحابيل السياسة والمواقف من دون أن نتحرّك قيد شعرة خارج لبنان. جاء طرحنا لهذا السؤال لأن آكلة الجبنة ومتقاسمي المغانم من السياسيين القابعين فوق كيس المال, صاروا, وفق معزوفة السباق الى السلطة يتهامسون بما أسمونه من دون أن ينشر:الجمهورية السليمانية نسبة الى سليمان عائلة الرئيس الجديد. طبعاً, من حق الوطنيين أن يتوجّسوا وينقز حبرهم تجاه ردّات فعل هؤلاء, وقدراتهم الهائلة في تبديل المواقف وتحويرها طبقاً لمصالحهم الشخصية المالية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وأبعاد, وإذعانهم إلى المطابخ الخارجية. وقد أصاب حبرنا الإحمرار الشديد, حيال هذا التسابق السياسي لرسم ملامح الجمهورية تلك المذكورة, فتناولوها أو تناولوا صاحبها بالأخذ عليه علاقته القديمة بالمقاومة وسورية من ناحية, أو عمّموا في أعلامهم توجسهم من تحولات وقناعات مختلفة باتت لدى صاحب هذه الجمهورية بالنسبة لهم, وكلّ ذلك على إيقاعات صمت الرئيس واعتداله ورصد الكلمات التي بانت تعجن في رأسه ووجدانه وقناعاته قبل أن تظهر فوق لسانه. وقد كنّا على يقين, بأنه لا يصحّ سوى الصحيح, كما يقول المثل الشعبي, ومن يعش ير, أهميّة ما ندمغه في حبرنا من ثوابت لن تقوى عليها أعتى الدول ولا تجبرات التواريخ. فما هو بيني وبين أيّ سوري حتّى ولو كان من نائي الأرياف السورية التي لم أسمع بها, هو أقرب اليّ من أكبر مسؤول يذعن للأحابيل والمخططات والإستراتيجيات المستوردة. والياء هنا معروفة الهوية, وهي في طريقها الى التوسّع ولربّما التعميم بعد التصدّعات التي نعاينها في الجدران الأميركية المحيطة ببلدنا. اليوم أطرح سؤالاً آخر: من هذا الذي ألّف الحكومة? السنيورة بالتعاون مع رئيس الجمهورية, أم نبيه بري وحسن نصرالله وميشال عون وسمير جعجع ووليد جنبلاط وسعد الحريري والمطران الياس عودة وأمين الجميل وميشال المر? الجواب, وفقاً لإعلان رئيسها من أمام قصر بعبدا, جاءت الحكومة على لسانه, صناعة لبنانية محلّية مئة بالمئة. جيّد جدّاً وعشرة على عشرة لاجتياز هذا الإمتحان الذي يفتخر به الرئيس وأعوانه. لكن على الرغم من أنّ الصناعة اللبنانية لا تتجاوز حبّة لوز ومقهى وخدمات سياحية, وهي قد تقف حائرةً أمام خرم إبرة في النسج اللبناني, مع ما يحمله هذا الكلام المرّ من احترام كبير للصناعتين السورية واللبنانية, وضرورات تكاملهما, وأشدّد على تكاملهما الكامل, فإن رئيس حكومتنا أعلن وطنية ومحلية حكومته بنبرة فيها نكاية مستورة مخفية بضحكة معبّرة فهمناها سلفاً, خرج منها مباشرةً الى الكلام عن العلاقات اللبنانية السورية, عندما لوحظ وهو يصرخ منفعلاً بأنه قومي عربي منذ نشأته, وعربي ابن عربي يجدد إيمانه بالعروبة وبالعلاقة مع سورية الشقيقة, ولكن انتبهوا هنا: العلاقة النديَة ( بفتح النون كما جاء على لسان السنيورة.)هو يريد العلاقة النديَة. مهلاً دولة الرئيس. لنفتح المنجد في اللغة والأعلام, وسنرى بأننا لا نوافقك الرأي بتاتاً, وقد لن توافق نفسك الرأي( قولوا انشاء الله) إلاّ إذا كانت زلّة لسانٍ غير مقصودة: ندّ بفتح النون تعني نفر وتنافر واختلف وذهب شارداً عن الطريق. ويقال ندّت الكلمة بمعنى شذت وصرّحت بالعيوب وأسمعت الآخر القبيح من القول وبالصوت المرفوع الذي يطلق من فوق الأكمة أي التل المرتفع. أمّا الندّ بكسر النون, فتعني المثل أو النظير أو التساوي مع الآخر. ولا أظنّ لبنان السياسي يرغب كثيراً في استمرار معزوفة الندّية (المفتوحة) لا في المقاومة ولا في العلاقات السورية اللبنانية ولا في كيفية ممارسة الحكم التنفيذي, ولا أظن لبنان بمعناه الإجتماعي الغارق في العتمة والبؤس والفقر والديون والحاجة والقهر والركض وراء لقمة العيش والمتروك والمهمل من قبل حكومته, يستطيع بعد أن يقبل التنافر والشرود عن حاجاته الضرورية, وتجاوز محنه الإقتصادية والإجتماعية مع حكومة الضرورة الجاهزة أو الإنتقالية التي ليس في رأسها سوى الإنتخابات البرلمانية, وكيفية فتح آبار النفط للتمسّك بالسلطة إيّاها, ولو كلّف الصوت آلافاً من الدولارات. لقد قاتلنا بكلّ ما أوتينا , وأنتم فوق الأكمات تعيّرون سورية وتهشمون سورية وتمدّون أيديكم وألسنتكم الى آخر الدنيا لتحويل لبنان منصة إطلاق القبائح نحو سورية ومعها المقاومة, ولكن الأكمات باتت تذريها رياح التغيير, ومناخ التعقّل الذي يلفّ المنطقة مجدداً ولو الى حين! قد نهضم تلك الزلّة, لكن سيغموند فرويد أب التحليل النفسي النمساوي الذي هو من أصلٍ يهودي, وقد دمغ الكثير من مجلدات المعرفة والتفكير, والذي اعتبرته أستاذة جامعية ساحراً يهودياً يفترض تجنبه عندما كانت ترتدي الحجاب, وبه تقاوم, لكنها حسرت عن وجهها بعد خروج سورية, وشهرت لسانها وحبرها ,في وجه السوريين كما في وجه حزب الله صاحب نصر تموز لتنضمّ الى المحافظين الجدد اللبنانيين.هي استاذة جامعية ومثلها كثر في لبنان نالوا الحظوة والتقدّم الى الصفوف الأولى ولربما نالوا المال والهبات لعدائيتهم تجاه ما ينسج لون بشرتنا, ولم يتردد الزعيم باعتبار تلك الدكتورة مضرب مثل من على إحدى الشاشات, نقول أن ّ فرويداً هذا بالفتحتين لا يفهم بزلاّت اللسان, وهو يبني أعمدة فهم الشخصيات ومفاتيح النبش لقناعاتها على زلاّت اللسان والأفعال الناقصة. إسألوا أي زميل في جامعة دمشق, أو افتحوا كتاب فرويد: مدخل الى علم النفس التحليلي, الذي ترجمه أحد الدكاترة اللبنانيين المعادين لسورية, وهو موجود في فرنسا, لنفهم حقيقة ما نقول. النديّة بفتح النون مسألة كبرى عانى منها لبنان مع نفسه ومع سورية, والندية بكسر النون لم نعرفها مع الطواقم السياسية التي لم تخرج بعد من الخارج. فقد سلّموا كلّ أمورهم وسياساتهم الى الخارج كلّ خارج. فهل أن العلاقات التي بنوها مع فرنسا ورايس وبوش والمانيا حتّى لا نذكر أكثر من ذلك من دول تصنّف في خانة الأعداء, كانت ندية? كانوا ندييين بفتح النون, وكانوا تابعين بما يندى له الجبين. قلنا كانوا? ويمكن القول بأنهم ما أمسوا وما زالوا وما برحوا وما فتئوا وما أصبحوا لطالما يتصالح الماضي مع المستقبل اللبناني والعربي, أولطالما بقيت (كان) أختاً ل (أصبح) كأفعالٍ ماضية ناقصة في كتب قواعد اللغة العربية, لا نعرف متى تكتمل في عهود تفاخر حكوماتنا بشهرالمؤمرات والبذاءة والشتائم في وجه أشقائنا وأقربائنا في العروبة واللغة والجغرافيا والمصير. هل أن علاقاتنا في مابيننا أحزاباً وفصائل وطوائف ندية? نحن يفترض أن نعمد الى تحديد المصطلحات والتفاهم حولها. أسئلة أخرى لأسياد المطالبين بالندية, من دون أن يسند ألسنتهم أو قاماتهم غرب مجبول بالمصالح التي لا تنتهي: ما هي آلية عمل السلطات لدينا, كديمقراطيين, وكيفية الفصل في ما بينها وتعاونها وتكاملها? وهي التي آلت في مجلس الوزراء الى مقاطعة بعض الوزراء للمجلس, وتقديم استقالاتهم احتجاجاً على سياسة الإستئثار والتسلّط وعدم الإستئناس الدائم برأي الوزراء وتجاوز الدستور, ورفض المشاركة. إنّ كلّ ما شهده اللبنانيون في العامين الماضيين, أومنذ إتفاق الطائف, من دويكا وترويكا ومآس وكباش سياسي أدخل دول العالم الينا بهدف فضّ مآزمنا, وأوصلنا الى ما نحن فيه بعد الدوحة, ليس شيئأً كبيراً قياساً على عمق الأزمة في ممارسة الحكم التي قد تتجدّد في أيّ لحظة, وحيث يفترض التفاهم والإجابة بوضوح وصراحة عن سؤالٍ واحدٍ هو: كيف نستعمل مصطلحاتنا? وما العلاقة بين الداخل والخارج? |
|