|
معاً على الطريق آنذاك, كنا نتابع في أماسي الخميس المفتوحة على السهر العائلي وأولى مقوماته التحلق حول الشاشة الفضية, المسرحيات المحلية, وإحداها مما لم تستطع أيادي النسيان أن تنسلها من ذاكرتي, مسرحية(عشك يا بلبل) وفيها يكون محمود جبر موزعاً بين أهواء غرائبية لمحيطه الأقرب بدءاً من زوجته المستلبة تجاه قصص الحب الخيالية وانتهاء بصهره المسكون بوهم جامح وجانح, أنه فنان لم تنجب الأقدار له شبيها, لكنها الأقدار التي تعانده وتمنع عنه حقه في أن يصبح مطرباً مشهوراً ما يلهيه عن مسؤولياته تجاه أسرته, فيصم آذانه عن محاولات استعادته إلى أرض الواقع بالغناء النشاز وترداد لازمة بعينها إلى ينجح أخيرا في توريط الفنان محمود جبر في غناء ورقص يائسين من محاولات إنقاذ الصهر. أمام ورطة فناننا المحبوب و تباريه في غناء عبثي لا ذوق فيه ما كان منا نحن الأسرة الصغيرة إلا أن ننفجر في ضحك صاخب متكرر أخذ بعدا مدويا أجفل الشرطي المتجول في حينا فصفر وصفر, ثم حذرنا وكنا نسكن ما يسمى بالأول الفني, بأن نخفض من صوت قهقهاتنا وإلا اتخذ إجراءاته ضدنا, فما كان منا إلا قصرنا رقبتنا وصرنا نحول الانفجارات إلى اهتزازات وارتجاجات متآمرة لم تنغص علينا بهجتنا بما كان يقدمه الراحل. إن أنسى فهل أنسى فرحا وصل بصخبه إلى درجة جعلت الشرطي يرى فيه مشاغبة على هدوء الحي..وكل ذلك بفضل محمود جبر.. بعد عقدين من الزمان, أو يزيد, حاولت مثل سذج كثيرين أن استعيد واسترجع متعة ماضوية في الزمن الحاضر فتابعت المسرحية نفسها, فإذا بالحميم يندحر أمام تلق باهت يكاد أن يقترب من الاستغراب من قدرتنا كأسرة على ابتداع الفرح والاحتفاء بالبهجة المتشكلة من تفاصيل صغيرة وإذا بمحصلتي النهائية من ذاك العرض المستعاد أن تقتصر على شجن وتأمل أفضى بي إلى تواري قناعة (أم أنه وهم ) تجاه خلود الفنان خاصة إن كان ثابتاً مقابل احتمال خلود الفن ذاته رغم تحوله وربما بفضل تحوله. اعتقد أن الفنان الراحل قد التقط هذه الحقيقة فلم يصر على الحضور الكثيف, لكنه وأمام إدراكه لوجهها الآخر شجع بناته على احتراف الفن إذكاء لناره المقدسة فتسامى على محنته الوجودية..رحمه الله. dianajabbour@yahoo.com |
|