|
ارآء تذكرين ما عندي من أحزان وتنسين ما عندك؟ تظنين أنني أغفل عنك وأنت تطلين على كل حارة من حارات البنات أو الأولاد ومعك قلبك وجبال من الإصرار على الأمان والدفء لدرء الأخطار عن القلوب والأفئدة. أمجادنا من أمجاد الأبناء والبنات.. ألست تقول: كل مدينة حبة القلب وكل قرية لؤلؤة الفؤاد، وكل حب بين الأولاد هو بيت لنا ومأوى لزماننا. من دون الحب ليس لنا مأوى.. ونعرى ونتشرد، أب وأم حنونان إلى أقصى درجات البهاء والعطاء ومع هذا من علم الأجيال مفاهيم العقوق؟ من أهدى الدروب ضلالة الأفكار السوداء وهزم الأماني البيضاء؟! في شهر وشهرين وفصل وسنة وعيش تكتفي القرى والبلدات والمدن بكسرات ألفة وتفاهمات وبقايا أمنيات ناضجة على نيران النيات الصافية كتنين بحري وزرقة لم يشبع بطن إلا إذا شبع العقل والاطمئنان. الطمأنينة مثقفة وفهيمة وحنونة ولا تجوع إلا حين يعتذر الحب عن الحضور.. حينذاك تشعر بالقلق ورغبة النهم طمأنينة طلقها الحب فأصيبت بداء الرعب...وراحت تلتهم الأسى والأحزان.. الأبوان صارا يلبسان ما عند الطمأنينة من أحزان (ويتغطيان) بالبرد والدموع، ويحتفظان بالضحكات المتيسرة لصغار كسبة الأفراح.. مرات ومرات رأت الدنيا الأب والأم في عز الزمهرير يرتديان قمصان المطر وعباءات الرياح و(بلوزات) العواصف، و(فساتين) الرعود ويتركان للمكتتبين الجديدين على الاطمئنان والحنان مطارح الأمان وغرف الألفة وتفاؤل المكان وفصاحات خيرات الزمان. في الوقت العصيب يطلقان الأغنام والمعزى والبقرات والدجاجات والفراخ، ويسرحان قطعان أمنيات بلدية تصبر على البرودة الشديدة وتقاوم التبدلات والطوارئ الطقسية والمناخات المرعبة التي بدأت تعكر صفو المراعي والمساعي والحقول والعقول. الأبوان يتلقشان فيما بينهما: الضائقات التي نلمحها وكساد الوفاء وضمور العطاء واقتتال الطمأنينات بلا حياء.. مصائب تهطل على الأهل وعائلات الأعالي والسهول بمواعيد وبالمفاجآت؟! خبئي أيتها الأم ما تبقى من قمح المودات وطحين المسرات وأرغفة العلاقات وملح وسكر الأمنيات.. تعودت الرغبات على التحيّات والنعمات.. أعطي الجميع ما تيسر من الطيبات والهناءات والدفء والبهاءات وارحميهم من الشتات.. هاجس الوطن أمومي وأبوي ورحماني: يقتات على الشقاء لتنعم العيال بالرخاء. ويبتكر آلاف الفرص لدرء الخطر عن الأحلام والناس والمواثيق في الليلات الحالكة يحتمل الوطن متاعب العتمات والكراهيات ويحمل الثقة والآمال ويغطي عري المواثيق من جنون البرد القارس وفظاعة القطيعة ويغطي تمنيات الشباب والفتيات بقمصان نومه التي ليس لديه سواها.. يؤنس بأرقه نعاس أفراده وجماعاته ونساءاته ورجالاته.. ويترفع عن اليأس أو الشحوب كرمى لخواطر الغيمات والأمطار البشوشة وبشارات الريح والزهر. الوطن لا يعرف اليأس أو الملل، لأنه إن فعل يتوقف مطر الحنين عن الهطل وتتوقف قيامات الزرع والضرع والجذع والغصن والفرع. الوطن أم من روح وطين وحياة وأب من كل الترابات والقناعات والتأملات والأزمات.. حين يأوي حلم بستان إلى فراش الفاقة والآفات لا ينام الوطن حتى يعاود الحلم عيشه الكريم وعافية وصاله مع الحياة ويعود البستان. ليس عند الوطن فلسفة للذل أو محفوظات للهوان.. جل ما عنده قناعة راسخة بأن لا قيمة ولا فضل لانحطاط وانحناء. يزهو الوطن بالكرامات ويتقهقر بالخصومات ولهذا هو عبقري سيادة ونبي أزمات: يخرج من حزنه بالنبوءات. |
|