|
شؤون سياسية لقد جاء بوتين على خلفية تركة ثقيلة خلفها يلتسين ،وكان همه الأساسي اعادة الروح للشعب الروسي واحياء تاريخ روسيا العظيم ،الدور الذي يفترض بروسيا أن تلعبه في محيطها ،والعالم ،ولذلك أبقى على موسيقا النشيد السوفييتي وبدل كلماته فقط والتي كتبها نفس الشاعر الذي ألف النشيد السوفييتي ،وكان ذلك مثار انتقادات داخل وخارج روسيا ،كما اعتبر أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان كارثة كبرى ،ولكنه أعلن بوضوح أن روسيا لن تكرر الأخطاء التي ارتكبتها الدولة السوفييتية. ولهذا فإن السياسة الروسية في بداية الألفية الثالثة أخذ بالاعتبار أخطاء الماضي، وتغيرات الحاضر ،فرفضت الأحادية القطبية بزعامة أميركا، ومانتج عنها من كوارث وحروب،ومحاولات لحصار روسيا عبر قلب الأوضاع في أوكرانيا ،وجورجيا وتمويل التطرف في القوقاز ،والتغلغل في آسيا الوسطى والسيطرة على الشرق الأوسط وموارده ،ثم أخيراً توسع حلف الأطلسي شرقاً،والسعي لنصب الدرع الصاروخية في أوروبا ،الأمر الذي رأى فيه الروس خطراً على أمنهم القومي . ولتوضيح خلفية وأسباب طبيعة الموقف الروسي ،لابد من الإشارة إلى أن الموقف الروسي يعود بالدرجة الأولى إلى اختلاف في طبيعة تعامل كل من روسيا من جانب والغرب عموماً من جانب آخر مع سورية والدول العربية عموماً. فللغرب مطامع في العالم العربي يسعى إلى تحقيقها على حساب ومصالح وسيادة وحقوق ومكانة الدول العربية . وترى الدول الغربية تملي على العواصم العربية رغباتها في مكان أو بعقوبات ضدها وتحاول جرها إلى فخ العقوبات الاقتصادية والقروض المالية العملاقة ،أوتوريطها في وهم الشراكة لمحاربة الإرهاب،وما إلى ذلك ، وكل ذلك لتحقيق هدف واحد فرض الغرب سيطرته ونفوذه على هذه الدول والتهام ما فيها من ثروات طبيعية . أما روسيا فلديها مصالح في علاقاتها مع الدول العربية ، وهي لاتخفي ذلك وتعمل على تحقيق هذه المصالح على أساس الحرص المتبادل بين الأطراف كل على مصالح الآخر ، كما هو متبادل في العلاقات هذه احترام كل طرف لسيادة وقرارات ورغبات الطرف الآخر ، وترفض روسيا التدخل بشؤون الغير. بعبارة أخرى يعتمد الغرب مبدأ السيطرة والهيمنة الذي يشكل استمراراًلفكر الاستعمار ،في حين تعتمد روسيا مبدأ الاحترام المتبادل في اقامة علاقاتها مع الدول العربية . ومن هنا ،هذا الاختلاف في مواقف الطرفين من مجمل ما تشهده ، وشهدته المنطقة العربية. ويستثمر الروس ، بهدوء وأعصاب باردة الفراغ والاستعصاء في الشرق الأوسط، وهذا يبدو واضحاًفي التعامل مع المرحلة الثانية من تحولات «الربيع العربي» التي تشهدها بنى النظام السياسي في العالم العربي والمنطقة ،يبدو ذلك في النجاح الذي حققته الدبلوماسية الروسية مقابل الإرباك الأميركي في ثلاثة ملفات أساسية هي : ملف الأزمة في سورية ، إذ واصل الروس بهدوء وصلابة الحفاظ على حلفائهم التقليديين، وأثبتت الأحداث قوة هذا الدور وفاعليته ،كذلك شكل الدور الروسي في الملف النووي الإيراني مساهمة كبيرة في تجنب ايران طوال هذه المرحلة ،ضربة عسكرية ، وهو الأمر الذي يتبلور في توافق مع الغرب ، ومن المنتظر أن يصل قريباً إلى صفقة تاريخية قد تغلق الملف النووي الإيراني وتوقف العقوبات المفروضة على طهران ، والملف الثالث تشكل من خلال عودة العلاقات الروسية - المصرية وما نتج عنها من امكانية تحالف وتعاون عسكري. وعلى عكس المسلك الأميركي : سعت روسيا عقب تطورات الأحداث التي مرت بهاالمنطقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى بناء تحالفات جديدة واعادة الصداقات القديمة ، وتحديداًمع الدول التي كان ينظر إليها دوماً على أنها تدورفي فلك السياسة الأميركية ،ولاسيما الدولة المصرية . مستغلة بذلك الواقع المأزوم بين مصر وواشنطن عقب حراك 30 حزيران ، فبادرت موسكو بإعلان مراقبتها لتطورات الأحداث المصرية ،ودعت من خلال خارجيتها «جميع القوى السياسية في مصر إلى ضبط النفس » وأن «تؤكد من خلال الأفعال رغبتها في حل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اطار ديمقراطي ، من دون أعمال عنف ومع احترام مصالح جميع طبقات المجتمع المصري ومكوناته». إن موسكو التي أخرجت من عنق الزجاجة التي وضعت فيها خلال تسعينات القرن الماضي وتمتلك تاريخاً غنياً من العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، لاتخلط بين الإسلام والإرهاب كما تفعل الدول الغربية واعلامها ، إذا يشكل المسلمون الروس نحو 20 بالمئة من سكان روسيا ، ولكن روسيا تقف ضد التطرف من أي جهة أتى ، وهي عضو (مراقب) في منظمة المؤتمر الإسلامي. أضف إلى ذلك أن روسيا ترى في «اسرائيل»النووية تهديداً للسلام ، وتدعو إلى اخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، ولاتدعم حصول طهران على السلاح النووي ، ولكن تدعم حقها في الطاقة النووية السلمية ،و تدعم حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ،ويبدو أنها تسعى لتعزيز وجودها عبر المسرح اللبناني مؤخراً. غدت روسيا لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط ، وماكانت لتلك الساحة أن تفتح أمام موسكو من جديد لولم تعتمد على حليفتها سورية التي أثبتت أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه لأي مخطط يرسم للمنطقة ،كذلك بدء عودة مصر للعب دورها بعد:سقوط حكم الإخوان المسلمين ، ثم يأتي الدور الإيراني وخاصة بعد الاتفاق الأخير مع (5+1) يأتي ذلك بالتزامن مع انحسار الدور الأميركي في المنطقة والضعف الشديد لحلفائها وخاصة دول الخليج والسعودية . |
|