تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متاهات وإرادات عمياء

البقعة الساخنة
الاربعاء 26-2-2014
خالد الأشهب

على مقاييس الثورة ومحدداتها في الفكر السياسي وأدبياته وفي التجربة التاريخية من جهة, وعلى مقاييس المعارضة السياسية ونماذجها المعروفة في كل المجتمعات السياسية الحديثة من جهة ثانية , تبدو ما تسمى الثورة في سورية , وتبدو مثلها ما تسمى المعارضة كما لو أنهما قادمتان من كواكب بعيدة في مجرات نائية, ولا يمكن التعرف إليهما إلا من خلال ما تستهلكانه خبط عشواء من المفاهيم والمصطلحات والتعبيرات المنحوتة سلفاً, والتي جرى ويجري مطابقتها قسراً على مكونات سياسية أشبه بالخرافة , وجرى ويجري اليوم انكشاف زيفها في اللب والظاهر, فلا ثورة في هذه الثورة ولا معارضة في هذه المعارضة !

فلأنهما في الأصل ليست ذات شارع سياسي يتبناها ويحميها ويندفع بها , ولأنها في الأصل أيضاً ليست ذات مشروع سياسي واضح ومعلن وذي أفق تتعهده ويتعهدها, ولأنها في الأصل ثالثاً ليست بنت بيئة صحية وتربة مناسبة تستنبتها وترعاها .. فقد تقطعت السبل بمشروعية الثورة والمعارضة معاً ومنذ الأيام الأولى , لتموت سريرياً حتى قبل أن تصل السيرومات الخارجية المغذية إلى أوردتها , فلا قاربت الحياة بالحركة ولا بلغت الموت بالسكون .‏

على هذا لا يعود مدهشاً أو دون تعليل وتفسير , ذلك السيل من عواصف الانشقاق والانضواء والترهل والضياع وغياب البوصلة والأهداف وانحطاط القيم والمناقب, التي تعصف بمشروعي الثورة والمعارضة والقائمين عليهما سواء من كان منهم سورياً بالمسمى أم كان منهم غريباً ذا أصابع خفية وعلنية من المحيطين الإقليمي والدولي, ولايعود منطقياً أيضاً النأي عن إعادة توصيفهما على أنهما مشروع واحد لعدوان خارجي مقنع وجد ضالته في بعض الأدوات والشخوص ليس إلا, ثم ما لبث أن أسقط قناعه كاملاً ليبدو عارياً تماماً وعلى حقيقته .‏

خرائط يومية متبدلة الحدود والألوان والضفاف ينتجها الجناح الذي يسمي نفسه سورياً في هذا العدوان سواء كان سياسياً أم ميدانياً .. ليست سوى متاهات من مداخل لا تنتهي إلى مخارج, أو مخارج لا تؤول إلى مداخل, ترسمها إرادات عمياء .. إلا من رؤية ولاءاتها الخارجية المتغيرة يومياً مثل خرائطها !!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية