|
منطقة حرة أن يكونوا مبتكرين ومبدعين لأشياء كثيرة لم تكن سائدة في مجتمعنا، ولم تعرفها بلادنا من قبل على امتدادها الجغرافي، إذ تفنّنوا بقطع الأرزاق والأعناق، ولم يعد للمثل القائل ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) أي قيمة ولا معنى . ولم يعد للقيم الإنسانية أي ضرورة، ولا للمعايير الأخلاقية فائدة، فكل شيء مباح من أجل ( ثورتهم ) حتى وكأنَّ الوحوش الكاسرة قد خجلت من قانون الغاب التافه الذي تتمسّك به وتحترم من خلال تقيّدها به، إلى أن قامت هذه ( الثورة المظفّرة ) فلو مرّت على تلك الوحوش رياح عابرة من العقل لخشيت على تغيير قانونها. وأكاد أجزم بأنَّ ضباع الغابات القذرة الفتّاكة وذئابها الغادرة، ومخلوقاتها المتوحشة لكانت قد عاشت صراعاً مذهلاً وهي تناقش قانوناً جديداً يسري على حيوانات الغاب ومستمدّاً من الثقافة الجديدة التي أبدعتها هذه ( الثورة ) القذرة المزيّفة، فالوحوش تصطاد فرائسها لتأكل وتواجه الجوع، ولا سبيل لها غير ذلك وإلا فإنَّ الموت بانتظارها، وهي تستخدم بذلك قوتها ويديها وأنيابها الطبيعيّة دون الاستعانة بأي وسائل أخرى. غير أنَّ ( الثوار ) المجرمين يصطادون فرائسهم من الناس الأبرياء وهم متخمين ودون أي سبب موجب لا بهجوم ولا بدفاع، ولاسيما أن أبواب التراجع مفتوحة لمن يسلّم السلاح، وهم أيضاً لا يعتمدون بإجرامهم على قوتهم ويديهم، بل يستخدمون الأسلحة الفتّاكة والسكاكين والسواطير ومختلف أنواع المتفجرات والسموم، وعاثوا في الأرض فساداً وخراباً، لم يدعوا شيئاً يتمكنون من تخريبه إلا وفعلوا، وكأنهم لا يطيقون أن يروا شيئاً سليماً، وهاهي ذي الشواهد أمامنا من كل حدبٍ وصوب، وفي كل يوم نرى تخريباً جديداً يندى له الجبين، ويكاد العقل يطير جنوناً وهو يسأل من أين يأتي هؤلاء بأصناف وضروب الإجرام هذه ..؟! آخر مبتكرات إجرامهم التي بدأت آثارها تتضح بقوّة تمثّلت في حرمان المتقاعدين الجدد من الحصول على تعويضاتهم ورواتبهم، فبعد أن أمضى هؤلاء العاملين أعمارهم كفاحاً ونضالاً من أجل خدمة وطنهم والقيام بواجبهم وتأمين لقمة عيشهم بشرف وبعرق جبينهم. لقد وضعهم أولئك المجرمون في عين العاصفة، غير آبهين بتلك السنوات الطويلة من الجهود والعمل والمعاناة وتقديم الخبرات والتعب المجبول بالمرارة تارة وبالأمل تارة أخرى، إلى أن أتمَّ هؤلاء العاملين مشوار حياتهم العملية وآن الوقت لإحالتهم إلى المعاش التقاعدي، والمعروف أنَّ تفعيل المعاش التقاعدي يحتاج إلى العديد من الوثائق المحفوظة عادة في ذاتيات المؤسسات والدوائر التي كان يعمل بها المتقاعد الجديد. لكن عطاءات أولئك «الثوار» المجرمين وثورتهم المجنونة قضت أن يهاجموا العديد من المؤسسات والشركات الحكومية والدوائر الرسمية ومنشآت الدولة وهيئاتها، فخرّبوها وأتلفوا وثائقها، فلم يعد بإمكان العاملين الذين انتهت خدماتهم لبلوغهم الستين من العمر وتسرّحوا، أن يُحضروا تلك الوثائق التي تثبت حقهم في حصولهم على الراتب التقاعدي، والقانون لا يتيح إطلاقاً إقفال ملفات هذه الرواتب من دون تلك الوثائق. لذلك جرى التسريح وانقطعت الرواتب من المؤسسات الحكومية لأولئك المتقاعدين، لأنَّ الأمر الطبيعي هو أن تصير رواتبهم من الجهة التأمينية التي يسجلون بها، ولكن الرواتب التقاعدية بقيت مقطوعة ولا توجد أي طريقة من الطرق الآن لصرفها، فبقي هؤلاء المتقاعدون في مناطق ودوائر عديدة من دون رواتب بالفعل، تصوّروا هذا الإنجاز الهائل الذي عكسته تلك الثورة البغيضة على الناس ..!! وتخيّلوا أن لا يزال البعض يريد أن يوهمنا بأن ما حصل ويحصل ثورة تُعبّر عن إرادة شعب ..؟! أي هراء وأي سخف هو هذا..؟!! إنه غاية الفقه في الكذب، غاية القذارة والوحشية المُفرطة. على كل حال يبقى همّنا الأول في هذا السياق يتمثّل بضرورة تسوية أوضاع أولئك المتقاعدين الجدد الذين كان الكثير منهم يساهم في إنعاش اقتصاد هذا البلد بخبراتهم وقدراتهم الإنتاجية، ولا بدّ من حلٍّ ما تجاههم - وإن كان مؤقتاً - يُقدّر وضعهم ويُفشل مخطط الأعداء تجاههم وتجاه الوطن الذي احتضنهم والذي ضحّوا من أجله سنيّ حياتهم، كأن تُبادر الجهات التابعين لها بمنحهم ولو جزءاً من رواتبهم على أن يجري اقتطاعها لاحقاً من رواتبهم التقاعدية القابعة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو التأمين والمعاشات، أو أي حلٍّ آخر، فلا يُعقل أن يفرض الإرهابيون مثل هذا المصير البائس لمن أمضى حياته في خدمة وطنه، ونُفسح المجال بسهولة لتمرير مثل هذا الفرض. الحكومة عوّدتنا على مقدرةٍ مميزة في اجتراح مثل هذه الحلول المعقّدة، ونحن على يقين أنها لا تقبل بمثل هذه الحالة، كما أننا على أمل بأنها ستسعى إلى حلٍّ مناسب . |
|