|
الرسم بالكلمات قبل كل شيء أود أن أقول للشباب, الإناث منهم والذكور, إن كل إنسان في هذا العالم يحمل في كيانه طرفا من سر الخلق, أودعه إياه الخالق عندما ارسله الى هذا العالم, والمحظوظ الأكبر بين الناس, باعتقادي هو من يستطيع من تلقاء نفسه او بمساعدة من غيره أن يكشف مكمن هذا السر, وان يعيش حياته من خلاله ولأجله. أعتقد أنه ليس في هذا العالم شخص غير موهوب, لكن هناك اشخاص مارسوا خياراتهم بعيدا عن سر الخلق الكامن فيهم, فأضاعوا اعمارهم وهم يبحثون عن جذوة الروح المقدسة في الساحة الخطأ. فالعبقري في الرقص قد يكون نجاراً فاشلاً, ومن يحمل سر الشعر في داخله قد يكون مهندساً بائساً! أول وأهم شيء أريد آن أطلبه من الشباب هو أن يعرف كل منهم نفسه, وأن لا ينخدعوا بالبريق فليس كل ما يلمع ذهبا, وليس كل من أمسك القلم اصبح المتنبي, وليس كل من صف الصواني صار حلواني! وليس من مهنة واحدة توصل الى المجد, فكل المهن يمكن أن تأخذ الإنسان الاصيل المبدع الى حقيقته الداخلية التي هي المفتاح الذهبي لكل نجاح! فخياط مبدع مثل ايف دوسان لوران, حقق من خلال الابداع في مهنة الخياطة شهرة ومالاً ومجداً, أكثر من كل الشعراء والروائيين ذوي المواهب المتوسطة! اعلم انه من الطبيعي ان يحاول كل إنسان يوما ما, كتابة قصة او قصيدة او خاطرة, يحاول من خلالها ابهار الفتاة التي يعشقها او الصديق الذي يحبه, وهذا امر طيب حقا, فمجرد مباشرة المرء للكتابة, هو امر ايجابي بغض النظر عن مستوى ما يمكن ان يكتبه المرء, إلا أن المحاولة يجب ان لا تلزم صاحبها بتكريس نفسه للكتابة اذا لم تكن هي صوته الاقوى, فالشاعر الذي يتمتع بموهبة متوسطة هو مأساة كبرى وكذلك القصاص والروائي والسينمائي! اعرف من أنت وماذا تستطيع, ان تعمل خذ وقتك كاملا قبل ان تقرر تكريس حياتك لأمر ما, وإذا كنت تنوي ان تصبح كاتباً فعليك ان تتذكر وان تعرف قبل كل شيء ان مهنة الكتابة أسوأ من كل الطغاة, فهي تستولي على كيان من يمتهنها وتمتص كل لحظة من وقته حتى أثناء النوم, كل ذوي الاعمال في هذه الدنيا ثمة وقت لبدء وانتهاء عملهم, عدا الكاتب ثمة وقت لبدء عمله لكن لانهاية لذلك العمل إلا بانتهاء حياته, فالكاتب يعمل حتى اثناء نومه, بل إن أهم جزء من العمل هو الذي يحدث اثناء النوم! الموهبة هي البذرة, والقراءة والخبرة هما الماء والهواء, وما أكثر البذار الجيدة التي بترت اعمارها بسبب عدم توفر العوامل المساعدة على النمو من تراب وهواء وماء! اذا كنت تريد ان تصبح كاتبا ايها الشاب, فيجب عليك ان تعلم أن الكاتب الذي لا يقرأ مئة صفحة على الاقل مقابل كل صفحة يكتبها يرشح نفسه بسرعة كبيرة لأن يصبح حيواناً مجتراً! في بدء حياتي المهنية كتبت قصة ذكرت فيها عبارة: » لا يملك شروى نقير« وعندما قرأت العبارة مطبوعة شعرت بالخجل من نفسي لأنني لم اكن اعرف معنى هذه العبارة على وجه التحديد, وعندما بحثت عن المعنى اكتشفت أن النقير هو نواة حبة البلح, وأن الشروى هي رشيم النواة, ولن نعرف حجم المبالغة الفظيعة التي اودعها أجدادنا في هذه العبارة, الا اذا عرفنا ان من يملك نواة حبة بلح, لديه أمل أن يملك شيئا ما في يوم ما, لانه اذا ما زرع النواة فقد يملك شجرة نخيل بعد عشرات السنين, إلا أن صاحبنا لا يملك نواة ولا رشيم النواة الذي تنتش منه البذرة! أقول لكل قادم إلى عالم الكلمة سواء كان أنثى أم ذكراً: لا تستخدم إلا المفردة التي تعرف معناها او معانيها وكل ظلال معانيها. أقول لمن يريد ان يكرس نفسه عبدا لمهنة الكتابة الطاغية:إياك واستخدام الكلمات المتناثرة في ذاكرتك, فإذا ماأردت ان تكتب عليك أن تقتطع الكلمة من لحمك الحي, لأنه بالصدق وحده يستطيع المبدع أن يحول فحم حياته اليومية الى ألماس. hmyousef@aloola.sy |
|