|
الافتتاحية ومع أن الكثير من الأسئلة حول الأداء الأميركي والتعاطي مع تطورات الوضع في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً، ظلّ من دون جواب، ومؤهلاً ليبقى كذلك حتى إشعار آخر، فإن هناك من يرى في عدم الإجابة ما يفيض عن أي إجابة يمكن أن تقدمها واشنطن في ظل أداء متعرج ومعوج. لكن هذا لا يحول دون إعادة طرح سؤال بدا وجيهاً ومنطقياً وربما مُلحّاً من زوايا مختلفة: لماذا تستعجل أميركا في المقامرة بأوراق محترقة؟ ولماذا تتسرع في دفع كي مون ليعلن عن موعد اجتماع في نيويورك من دون تنسيق مسبق مع روسيا، ومن ثم تضطر لاحقاً للمبادرة إلى طلب موعد مع القيادة الروسية على عَجل، غير مكتفية -كما جرت العادة في الأسابيع الماضية- بدبلوماسية الهاتف التي لم تجدِ نفعاً هذه المرة؟!! في المبدأ.. فإن واشنطن كانت تراهن على الاستعجال للمداورة على ما تم الاتفاق عليه في بيان فيينا من استحقاقات، وفي مقدمتها إعداد لائحة بالتنظيمات الإرهابية وتشكيل وفد موحد للمعارضة، والتسويف على نيّة الخلط بين الدعاية السياسية وبين الجهود الفعلية لإطلاق المسار السياسي. ما جرى في الأروقة السياسية وما تلاه من مداولات متصلة كان يفيد بأن المسألة ليست لتقطيع الوقت، ولا تصلح معها ممارسة الاستلاب السياسي، وأن المخاطر المحدقة وتفشّي خطر الإرهاب لم يعد يسمح بمزيد من المماطلة، وبالتالي كان الموقف الروسي واضحاً في رفض الدعوة الأميركية التي جاءت على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، لأنها تتضمن مغالطتين.. الأولى: نقل مكان الاجتماع قبل التشاور مع روسيا، والثانية: تتعلق بتجاوز محدّدات واضحة لعقد الجولة الثانية التي تقتضي الحسم في المشكلات العالقة. كل هذا لا يكفي لفهم أسباب ودوافع العجلة الأميركية والاستعجال في عقد الجولة الثانية، وربما لا يبرر هذا الحماس الأميركي لعقدها بأي ظروف كانت، إلا إذا كانت توطئة للانقلاب على ما تم الاتفاق عليه في فيينا، والتهرُّب مما التزمت به واشنطن مع الشركاء الآخرين في اللقاء العتيد، حيث واجهتها وتواجهها المعضلة الأساسية ذاتها، الناتجة عن العجز في تشكيل وفد موحد للمعارضة من جهة، واستحالة وضع لائحة بالتنظيمات الإرهابية التي لا تزال واشنطن تعوّل على ما تقدمه السعودية من وعود بصلاحية الاستخدام في جولة حاسمة أو على الأقل إدراجهم على الطاولة. المخيّب بالنسبة لواشنطن قد يكون أبعد بكثير من حدود وصيغ الدلالة السياسية لهذا التكالب على رسم مسار تدرك أن خيوطه لم تعد في يدها، والأكثر من ذلك أنها لم تعد قادرة حتى على انتزاع تفويض من الدمى الإقليمية، التي بدَت تغرّد تلقائياً خارج السرب الأميركي، وإن اختلفت الأسباب بين من تورّم واستطال بشكل مَرضي، وبين من يحاول الهروب من المركب الأميركي بعد جنوحه نحو تبنّي وجهة نظر قاصرة في مقاربة الوضع الإقليمي، وفقدان السيطرة على معايير المشهد الدولي. لكن ذلك لا يميط اللثام عن الدوافع الخفية التي تحرك المسعى الأميركي، باعتباره يأتي في وقت تقترب فيه الإدارة الأميركية من موسم الشلل الانتخابي، ما يفرض قيوداً غير مرئية ولا منظورة على مبادرته خارج سياق تصريف السياسة الخارجية، أو ما بقي منها بانتظار الإدارة القادمة، وعلى خلفية إدراك متأخر بأن التقارب في محاكاة محاربة الإرهاب ترجّح كفّة وجهة النظر الروسية، وأن البساط الأميركي لم يعد قادراً على الإحاطة بمتطلبات إدارة حالة الفوضى والخراب في المنطقة. الواضح أن تعويل واشنطن على اجتماع الرياض لتعويم بعض التنظيمات الإرهابية قد اصطدم بوقائع على الأرض جعلت مهمتها أصعب من المتوقع، مضافاً إليها فشل الأردن في إنجاز مهمة تحديد لائحة بالتنظيمات الإرهابية، على وقع تهديد أميركي صريح.. ووعيد سعودي أكثر وضوحاً، وتلويح قطَري - تركي أبعد من التهديد والوعيد، ما دفع روسيا إلى حركة استباقية في رفض موعد الاجتماع ومكانه، بل الحديث عن أنه سابق لأوانه. بهذه القواعد من الاشتباك السياسي.. كانت واشنطن أمام معضلة التخفيف من وطأة الاضطرار إلى الاستنجاد من جديد بالسلُّم الروسي للنزول عن مواقف اعتلتها، بناء على سياق من الوعود الكاذبة والأوهام التي باعت فيها واشنطن واشترت، لكنها أول من أعلن إفلاسه، والخطير حين يكون الاستعجال تعبيراً عن ذلك الإفلاس وطريقاً للتصعيد أو لإعادة اللعب بأوراق الاشتباك السياسي، أو للعبث بمكونات ومعادلات مشهد العلاقات الدولية وإسقاطاته الإقليمية..!! |
|