|
البقعة الساخنة ويعترف المحللون بأن القوات الروسية تمتلك في حربها ضد التنظيمات الإرهابية في سورية ميزة إضافية تتمثل في كونها أكثر مرونة في موضوع العتاد والأفراد وأيضاً تعتمد على بنى تحتية متقلصة ( قاعدة في طرطوس وفي اللاذقية ) الأمر الذي ينعكس على الأداء الممتاز وعلى عتاد وقوات في أعلى مستويات الجودة وقدرة عالية على التكيف وأخيراً تحقيق تنسيق مثمر بشكل خاص مع القوات البرية ( السورية ) . وميزة إضافية تتمثل في كون الروس بمقدورهم اختبار تجهيزات جديدة وسط ظروف معركة وإظهار مقدراتهم العملياتية المتاحة على الفور ( ميزة قلما نجدها في العتاد الأميركي ) والتقييم العام هو أن الروس يعرفون ماذا يفعلون من خلال تدخلهم , وأنهم استعدوا لذلك بطريقة يحصلون من خلالها بالتأكيد على نتائج مثمرة , وهذا يدل على قدرتهم على استقراء المقبل بشكل ممتاز . وعلى الرغم من ذلك ولكي يفسروا الاختلاف التام لتقييمهم مع تصريحات اوباما , ينساق محللو البنتاغون إلى حجج لا معنى لها إذا ما قسناه بالوضع السياسي العام الذي أجروا تقييمهم عليه وينتهجوه حالياً : حيث لم يحرز الرئيس باراك اوباما أي دفع وسط هذه الظروف , ولكنهم أقروا أنه تقدم فيه , مما يكشف أنه أصبح مفصول عن الواقع منذ أن تم التدخل الروسي لدعم الحكومة السورية في وجه خصومها وحجز مكان رئيسي لها في المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية سورية . أي للروس هدف نجحوا في بلوغه , وفق محللي البنتاغون , وينصب هذا الهدف على وقف التهديدات الخطيرة المحيطة بسورية , وليس الانخراط مطلقاً في " حرب أهلية " ليس لها وجود , لأن تلك الحرب التي تشهدها سورية هي وبكل بساطة حرب هجينة / غير متماثلة يغذيها العدوان الخارجي الآتي من كل حدب وصوب , أطرافه متنافسة فيما بينها هي الآخرى , ويعيشون الآن مرحلة عدم استقرار الأوضاع الداخلية لديهم ( تركيا ) . ولكن بوسعنا التماس المعذرة لمحللي البنتاغون لتفسيرهم المنضب كونهم بالطبع يواجهون رواية أكثر خصوصية , ليس لها صلة مع حقيقة الأوضاع التي تتبع فقاعة / سرد البيت الأبيض والذي يكرس هدفه في تسليط الضوء على القيم الخطابية للرئيس . والملاحظة التي أدلى بها هؤلاء المحللين خالية من الإشارة إلى مشاكل كبيرة داخل الأمن القومي الأميركي , طالما أنها تقود إلى اعتبارات مثيرة للقلق للغاية في موضوع القدرات الأميركية . والواقع أن الولايات المتحدة زادت بشكل واسع في غضون الخمسة عشر عاماً المنصرمة من تدخلاتها العسكرية مع الكثير من العتاد والرجال وبتكاليف أعلى بكثير من التكاليف الروسية ولم تحقق النتائج التي حققها الروس خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تدخلهم في سورية . وإن كان من الضروري أن ترقى تلك الاعتبارات إلى مستوى تحليل عميق فإنه ينبغي أن يعني الكثير للولايات المتحدة حقيقة أن القوات المسلحة الروسية تعتبر في مستوى استثنائي أو بالأحرى " عجائبي " وتستخدم طرقاً ملائمة , وأن القدرات العسكرية الأميركية الضخمة تعتبر غير موائمة لجميع انواع الصراعات التي تجري في العصر الحالي . إن الذي نود قوله هنا هو أن الدرس الحقيقي الذي ينبغي أن تتعلمه الولايات المتحدة هو أن قدراتها العسكرية هي في أزمة عميقة بحيث باتت على شفا انهيارها . في حين أن الروس استطاعوا النهوض بقدراتهم العسكرية بالقياس إلى ما كانت عليه خلال أعوام التسعينات , وأنهم لا يشكلون حالة فريدة ومتعذر بلوغها . إن الروس يأخذون بالاعتبار الواقع العملي الفعلي , والواقع الثقافي والإنساني , ويفعلون ما ينبغي لهم من أجل التأقلم معها جميعها , من خلال توظيف تقنيات تتلائم هي نفسها مع الواقع العملي . بينما يعتبر النظام الأميركي غير قادر على بذل هذا المجهود لأنه ينطلق من افتراضيات مسبقة في أن وضعهم الاستثنائي يجعل كل جهد للتأقلم مع الآخر عقيماً وكريهاً . وجهدهم الرئيسي ينصب الآن في توليف الواقع العملي العام في العالم للتكيف مع نظام تسليحي كارثي . وفي الوقت الذي يبلي فيه الروس حسناً في سورية , باشرت الولايات المتحدة بتدريبات الدمج بين طائرات إف – 22 وطائرات التيفون والرافال والتي لم نر فائدتها , سوى التأكيدات في البيانات الكاذبة عن الاندماج " الأطلسي " لهذه القوى الجوية الثلاث في نزاعات افتراضية , حيث لا أحد يعرف كيف ومتى ومع من سوف تجري . من جهة أخرى , نعرف ما القصد من هذا النوع من الاندماج ضمن محيط يعني أنه ناتوي وبالتالي أطلسي وأمريكي . كما رأينا ذلك في الحرب على ليبيا عام 2011 حيث كان الطيارون الفرنسيون يفضلون استخدام الدعم الاستعلامي الوطني لهم وتحديد الأهداف المقدمة من جانب القدرات الفرنسية على الأرض , ومن جهة أخرى كان الدعم الأميركي عبر وسائل عديدة هائلاً ولكنه ثقيل وبطيئ بحيث أن استخداماته العملية لم تثمر لأن المعلومات كانت تصل بعد انجاز المهمة . |
|