تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ما العمل ؟؟

معاً على الطريق
الثلاثاء 12-1-2016
خالد الأشهب

منذ مئة عام تماماً، أي عشية انزياح الكابوس العثماني البربري عن كاهلنا، والعرب مازالوا يبحثون عن مشروعهم في التنوير على غرار المشروع الأوروبي، ومع أن جمهرة من المثقفين والتنويريين العرب رفعوا لواء التنوير على الطريقة الأوروبية،

وحاولوا تأسيس البنية التحتية الثقافية والفكرية للمشروع، إلا أنهم ومع تكرار المحاولات الجادة والمسؤولة .. ظلوا يرتطمون مرة بعد مرة بحائط الهوية الثقافية والخصوصية القومية كما لو انه القدر الذي لامناص من مواجهته بعد فشل كل محاولات تجاوزه !‏

مئة عام ومشروع التنوير متوقف والحائط ذاته مقيم.. والسؤال مستمر: هل يمكن للتنوير أن يعبر إلينا دون أن يرتطم بحائط الهوية والخصوصية، وإذا فعل وارتطم .. هل نلغي المشروع أم نهدم الحائط ؟‏

حقيقة الأمر، أن مئة عام من محاولات الخروج من العزلة لم تثمر شيئاً على الإطلاق، ولعل أيامنا الراهنة وما يعتريها، من انحطاط الوعي العربي عامة ومن مظاهر الهمجية البربرية في سلوكنا، تقدم الدليل القاطع على الفشل المزدوج، فمن جهة أولى فشلنا فشلاً ذريعاً في انجاز مشروعنا الحضاري الخاص الذي يستوعب هويتنا الثقافية، الدينية تحديداً، وخصوصيتنا القومية العربية أو تستوعبانه، ومن جهة ثانية فشلنا في استقدام مشروع تنويري خارجي وإعادة انتاجه وفق الطريقة الصينية أو الكورية أو اليابانية في بيئتنا مثلاً .. دون أن تعثره هويتنا الثقافية وخصوصيتنا القومية !!‏

ها نحن اليوم نقبع حيث كنا قبل مئة عام وأكثر، لا بل نتردى إلى الخلف إلى حيث كنا قبل مئات السنين، ولم نكتشف بعد أن كل ما انجزناه في الظاهر .. أو ما نظن ونتوهم أننا أنجزناه لم يكن أكثر من « تشكل كاذب « وصفه الفيلسوف الألماني شبنغلر بدقة، وهو قابل للانهيار في كل لحظة .. لا بل انهار جزء كبير منه وانتهى الأمر، وصار السؤال ملحاً أكثر وأكثر .. ما العمل، خاصة أننا لا نزال ندعي ونزعم أو حتى نثرثر بلا توقف أننا أصحاب حضارة سالفة بائدة، لكنها حية لم تمت ؟‏

ما العمل أمام عجزنا عن انتاج مشروعنا التنويري الحضاري الخاص، وما العمل أمام عجزنا الآخر في استقدام مشروع تنويري حضاري خارجي تصرعه هوياتنا وخصوصياتنا الثقافية والقومية دون تردد، بل ما العمل إذا ما اكتشفنا أننا لم نكن يوماً صناع حضارة بل لصوص حضارات، وإذا ما اكتشفنا أننا كنا نتشكل في كل مرة عبر التاريخ تشكلاً كاذباً كما هو حال تشكلنا اليوم، وأن حضارتنا « السالفة البائدة الحية « لم تكن حضارتنا، خاصة أن المنطق الفلسفي في المقدمات والنتائج لا يخدم ادعاءاتنا .. وعلوم الأنتروبولوجيا لا توثق تاريخ نشوئنا الثقافي والقومي إلا بالقدر الذي أراده مؤرخونا في استرضاء السلاطين؟‏

المسألة أكبر بكثير من تشكل هو الأكذب في شبه جزيرة العرب، وأكبر من نزعات الغدر والجهالة والحقد الأعمى لدى بدو الخليج وشبه الجزيرة، أكبر من أكاذيب بيضاء وحلوة أو حقائق مرة سقناها عبر التاريخ وصدقناها .. المسألة هي أن ما نعيشه اليوم وما نحن قادمون إليه ربما يكون آخر عهدنا بالانتماء إلى الإنسانية !!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية