|
مجتمع أين نكتب كلمة حب، شرف، والضحايا صاروا يملؤون متون الصفحات وهوامشها. العنف والتكفير. والكذب الفضائي، المتحدث الوحيد على صفحات الزمان والدم المراق قد اغتصب المداد واغتصب معه حياتنا. كيف نشعل النار في صقيع القلوب التي تتجمد من هول الإجرام والإرهاب الدي تراه وتسمع به؟
كيف نبدد صمت التماثيل والأصنام التي تتحرك فقط لتشمت بموت الأبرياء، وتتسلى بأخبارهم لأنهم ينتمون لوطنهم.. ولا يغادرون ترابه إلا شهداء. الموت في بلادي صار حكاية يومية تروى وليس خيالاً. للموت هنا حضور مغاير، واضح ومتوهج، يشبه حضور الحياة التي نقاسيها.. هذه الأرض صارت ملأى بالمفاجآت المخيفة والمحزنة، فقامات الصغار فيها تتناثر في كل الجهات، أطفال كانوا ملء القلب والعين وكما تشرق الكواكب والشموس كانوا يشرقون فجأة يتناثرون وتتلاشى أشلاؤهم كالدخان أو يذبحون، وتلمع عيون قاتليهم بالنشوة والزهو، ويسيل لعابهم العفن أمام مفردات المال والنفط. بسرعة البرق تنهال رسائل الموت في الليل ومع طلوع الفجر وقبل أن يصيح ديك الحي. يباغتهم الموت دون أن يتمكنوا من ذكر الله وقراءة الإخلاص والمعوذتين وطه وياسين وما تيسر من كتاب الله، يباغتهم الحقد باسم الدين الدين.. تباغتهم سواطير الكفر الذي يغذي خلايا العقول المريضة. وتروي دماؤهم حكاية جديدة لقميص يوسف الملطخ بخيانة الإخوة والحقد على كل ما هو جميل وإنساني. من دمائهم الطاهرة في معان وعدرا واللاذقية وفي كل المدن السورية التي تحاول جحافل الجهل اغتيال حياتها سنعلن حبنا مجدداً لهذه الأرض لكل حبة رمل في بلادنا.. لأن قلوبنا لا تزال تتسلق العواطف المستحيلة التي تكنها للوطن.. ومازال الوطن يعشش في ثناياها، وفي نبضاتها التي تقاوم الموت، رغم مقتل الحب في هذا العالم.. ترى متى شيع العالم جنازة الحب؟ ربما مع بداية عصر العولمة.. أو مع أول جريمة قتل انتهكت الإنسانية وأراقت دمها؟ أو ربما حين عرفنا حضارة النقود والنفط والفتاوى المخجلة، وحضارة النهب والخطف وجهاد النكاح والشتائم البذيئة عبر حضارة الفضائيات الضالة والمضللة؟ ترى كيف نعيد للحب حياته ومكانه، ونحن نتنفس حضارة الدم، حضارة لا نحبها ولا تحبنا، حضارة الإقصاء والموت، حضارة أعادت للسيف المشرع فوق الرقاب رعبه. واغتالت أطفالاً بالموت، والتغييب وحتى بالتعليم الكافر. حضارة نزعت الأسلحة الإنسانية وجمدت الأرصدة العاطفية، وعاقبت بلادنا لأن فيها الحضارة التي أعطت للعالم زهوه وكيانه.. وتقدمه الإنساني، بيننا وبين الحب والحياة والحضارة أسطورة يصعب تفكيك رموزها، والأساطير لا تبوح بكل مخزونها حتى لا تفقد ألقها.. لذلك لن نضع قناع النسيان على وجوهنا وندّعي أننا لم تمر علينا أقسى وأصعب سنوات حياتنا خلال هذه الحرب الفاجرة لكننا سنتجاوز وسنمضي قدماً، لن ننسى الدماء الطاهرة التي روت أرضنا، وسنجعلها منارات المستقبل القادم.. وستنظم سورية قصيدتها الجديدة، وسنصفق بحماسة وانبهار لتلك العائدة من رماد الموت إلى الحياة بكل ألق وعنفوان. |
|