|
دراسات بعد أن تحولت وعوده وبرامجه الانتخابية على امتداد ولايتين رئاسيتين إلى سراب, وحربه على الارهاب إلى طواحين هواء. وبعد أن وعد الشعب الأميركي بتحفيز اقتصاده فكانت النتيجة أن أدخله في معضلة عجز وانفاق استثنائي طارىء يبلغ145 بليون دولار لمعالجة حالة ما وصلت إليه عملية الركود في الاقتصاد الأميركي في عهده. ومثل هذه الحالة لم تحفز الرئيس بوش رغم ما تبقى له من عدة أشهر إلى مراجعة لحصيلة ما أثمرته وما أوصلته إليه سياسته سواء على الشأن الداخلي الأميركي أم حيال سياسته الخارجية. فهو إلى اليوم مازال كما هو واضح يلهث للاستمرار في تنفيذ استراتيجيته واندفاعه المحموم في زعزعة أمن الشعوب واستقرارها والنيل من سيادتها سواء في العالم العربي والاسلامي أم في مناطق أخرى من العالم في أميركا اللاتينية وأوروبا وافريقيا وآسيا لتحقيق حلمه الامبراطوري الهش. ولعل مثل هذه السياسة التي طبع عنوانها بالفشل ستكون بالطبع عبئاً ثقيلاً على الرئيس الأميركي القادم لاسيما في العراق الذي يكلف احتلاله سنوياً سبعين بليون دولار بينما تكلفته الشاملة منذ بدايته حتى مطلع العام الحالي تجاوزت ما تحملته أميركا كلفة في الحرب العالمية الأولى. وكل ذلك بالطبع نتيجة طبيعية لسياسة بوش الخارجية التي قالت عنها وزيرة خارجية أميركا السابقة مادلين اولبرايت: إن حبها لبلدها أميركا يجعلها بل ويحتم عليها أن تقول: إننا أصبحنا نعاني من قصور حاد في الوعي بالذات. وتضيف قائلة نحن الذين نقول لا للأسلحة النووية في الوقت الذي نملك فيه أكبر ترسانة نووية في العالم, ونحن الذين نطلب من الآخرين أن يحترموا القانون في الوقت الذي نتجاهل فيه اتفاقيات جنيف, ونحن الذين نطلب من دول العالم أن تكون إما معنا أو ضدنا في الوقت الذي تحتل فيه قواتنا العراق وافغانستان وغيرها, ونحن الذين نطلب من العالم الحذر من القوة العسكرية الصينية في الوقت الذي ننفق فيه على قواتنا المسلحة قدر ما ينفقه العالم بأسره على قواته,ونحن الذين ندعو العالم للعمل من أجل مستقبل أفضل لابنائه في الوقت الذي نتغيب فيه من دون مبرر عن المساهمة في جهود مكافحة التغيير المناخي في العالم على سبيل المثال. كذلك استطلاعات الرأي العام في عموم أميركا توضح مدى انحدار التأييد لسياسات الرئيس بوش لاسيما مع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية في أميركا والتي وصلت العام الحالي إلى مجرد ثلاثين بالمئة بعدما كانت عليه في عام 2002 ثمانين بالمئة. كما أن الندوة الأخيرة التي شارك فيها سبعة عشر من كبار المسؤولين الأميركيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لمواجهة الانحدار الذي جرى في الحياة السياسية الأميركية خلال ولايتي الرئيس بوش طالبت باتخاذ جملة من الخطوات الضرورية لمواجهة التحديات القومية التي تواجهها الولايات المتحدة على حد (قول بوب غراهام) العضو السابق في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي. لكن الانحدار لم يكن فقط في الحياة السياسية الأميركية في ولايتي الرئيس بوش فالانحدار طال الاقتصاد الأميركي وبالتالي العجز الهائل في الموازنة الأميركية وهذا ما أعلنته وزارة الخزانة الأميركية في تشرين الثاني الماضي أن الدين العام تخطى وللمرة الأولى في التاريخ الأميركي عتبة التسعة تريليونات دولار في حين لم يكن حجم هذا العجز في عام 2001 عندما تسلم الرئيس بوش سلطاته الرئاسية سوى 5,7 تريليون دولار. وهذا ما كان يدفع بالرئيس بوش لممارسة ضغوطه على حلفائه الأوروبيين واليابان كي يشاركوا في تمويل أكبر للموازنات العسكرية الأميركية باتجاه الخارج سواء من خلال دعمهم لمنظمة حلف شمال الأطلسي أو لمنظمات أخرى تصب في خانة الدعم العسكري لتقليل الانفاق المترتب على الحرب الأميركية في مناطق العالم. وكانت حجة الرئيس الأميركي أن بلاده كانت بمفردها تخصص ستة في المئة من اجمالي ناتجها لموازنتها العسكرية في حين أن أوروبا الغربية كلها كانت تخصص فقط ما بين اثنين إلى ثلاثة في المئة من اجمالي ناتجها المحلي, بينما اليابان لم تخصص أكثر من واحد في المئة للغرض نفسه. وامتداداً لهذا الأمر أصبح هناك من يروج لفكرة أن أميركا تتحمل كلفة مادية وبشرية طائلة لوحدها في العراق وافغانستان بينما المستفيدون من هاتين الحربين هم الأوروبيون وبعض الحلفاء الآسيويين. ومثل هذا الكلام يعني أن أميركا تشن الحروب على الآخرين نيابة عن غيرها ولذلك عليهم دفع الثمن إما بشراء اسلحة أميركية أو باتفاقيات أمنية مع أميركا أو بالسماح بوجود قواعد عسكرية أميركية أو بزيادة ميزانياتهم الدفاعية أو بكل هذا معاً. لكن الأوروبيين بصورة خاصة لم تنطل عليهم تلك الحجج الأميركية وبرز ذلك لدى فرنساوالمانيا وايطاليا عندما كاشفوا الأميركيين بما تم الاتفاق بينهم على مشاركة عسكرية محدودة للغاية دون زيادتها أو زيادة أي اعباء مالية إضافية ولاسيما أن الأوروبيين كاشفوا الأميركيين بأنهم لم يستشاروا على سبيل المثال في غزو العراق أو في البقاء فيه لهذه الفترة الزمنية والتي يبدو أنها طويلة. كذلك من شواهد المفارقات لهذه السياسة الكارثية للرئيس بوش اعتراضه الشديد وإدارته على زيادة الصين لموازنتها الدفاعيةوالتي بلغت هذا العام 65 بليون دولار. أما حين تقدم أميركا على زيادة ميزانيتها العسكرية للعام الحالي 2008 إلى 623 بليون دولار فهذا جائز لها أي ما يعادل عشر أمثال الانفاق العسكري الصيني وبالتالي تجاوز الرقم الانفاق العسكري لكل دول العالم مجتمعة. ومثل هذا التناقض الصارخ في المواقف الأميركية لواشنطن وفي مضاعفة موازنتها العسكرية لهذا اليوم يعني أن ذلك ليس سوى نذير سوء لهذا العالم في أن تعزز الامبراطورية الأميركية من قدراتها للاستمرار في قمع الشعوب والسيطرة علىها تحت ذرائع شتى ودوافع مختلفة ولكي تفرض منطقها على العالم. المنطق الجديد القائل نحن لنا الامبراطورية وعلى الآخرين أعباؤها وتقديم الطاعة لنا, إنه منطق اللامنطق لساسة أميركا الذين يزرعون بذور سقوط هيبتهم من حيث لا يدرون. |
|