تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


انكسر الحلم.. ويستمر الأمل

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
أسعد عبود

الصفحات التالية من هذا العدد, مختارات لإحياء مناسبة, أردنا منها أن تكون أبعد ولو بخطوات من حفلة خطب وتصفيق..

الذكرى الخمسينية لوحدة مصر وسورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة.. ذاك الحلم الذي ما زالت ارتجاجات انكساره تتابع حتى اليوم. وهو حلم الوحدة العربية..‏‏

أقول:‏‏

انكسر الحلم.. ولا أؤمن أنه سقط وتحطم وتهشم.. لكن.. ما من شك أن التراجع من الوحدة الحقيقية الاندماجية الكاملة بين أهم دولتين عربيتين من ناحية الفعل التاريخي الحضاري الثقافي, الى أن يصبح الحلم مجرد تضامن عربي!! هو انكسار بالتأكيد.. هو إحباط.. هو ربما يؤدي عند الكثيرين الى اليأس وفقدان الأمل..‏‏

وكي لا يكون اليأس ولا نفقد الأمل.. هذا شعاع ضوء سعينا أن يحوي دفئاً لعله يخرق جدار الصقيع العربي الذي يتحكم بكامل السياسة العربية اليوم إذ يتراهن العرب على إنجاح أو إفشال مؤسسات العمل القومي العربي المشترك وبما يشعرك أن هموماً سياسية عربية آنية ربما صغيرة جداً تتفوق على استراتيجية العمل المشترك, حتى ولو لم يبقَ منه إلا الشواهد التي تحفظ الذكرى.‏‏

هذا شعاع ضوء عن تاريخ قريب لم يكن الحدث فيه مجرد حدث عابر, أو طارىء وجاء بحكم المصادفة التاريخية, بل كان صورة تجلٍ لاندفاعة (الحماس) العربي باتجاه الوحدة, بعد أن شعرالعرب أن محصلة حركات التحرر الوطني التي عرفتها أواسط القرن الماضي, كافية لتأمين استقلال معظم الأقطار العربية. لكنها لم تكن كافية لإقناع جماهير الأمة, أنها باستقلال أقطارها شكلت القوة للخروج من المأزق الاستعماري بصورته الكاملة..‏‏

كانت الجزائر تكوى بالنار والجنوب اليمني محتملا والقواعد الأجنبية تنشر على بقاع العرب.. وكان جرح فلسطين النازف, حديث العهد, شديد الألم مولداً للقهر..‏‏

كانت وحدة 1958 بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة, رداً شعبياً فعلياً على ذلك كله.. وعندما كنا نهتف: من المحيط الهادر.. الى الخليج الثائر.. لبيك عبد الناصر.. كان ذلك حقيقة.. كان جمال عبد الناصر رئىس الجمهورية العربية المتحدة قادراً فعلياً على تحريك الجماهير العربية من المحيط الى الخليج.. بل أكثر من ذلك.. كان لطيفه تأثير حقيقي في الدول المجاورة أيضاً.. إيران الشاه وتركيا مندريس.. وغيرها..‏‏

الوحدة كانت رداً فعلياً سياسياً جماهيرياً حماسياً.. وقيامها زاد في الحماسة.. لكن.. لم يكن للحماسة وحدها أن تحمي دولة الوحدة.. فكان الانفصال..‏‏

الانفصال انقلاب لا شرعي تغطى بالديمقراطية فمارست سلطاته شكلاً ديموقراطياً ثم انقلبت عليه بعد ثلاثة أشهر.. كانت فترة اضطراب سياسي في سورية خصوصاً.. استمرت عاماً ونصف العام, هذه الاضطرابات نجمت بصورة رئيسية عن الشعور العام بلا شرعية الانفصال..‏‏

من الوحدة تراجعنا الى مشروع الوحدة الاتحادية.. (مصر,سورية,العراق).. ثم الى مشروع الاتحاد العربي الرباعي (سورية ومصر, وليبيا, والسودان) ثم اتحاد الجمهوريات العربية: سورية ومصر وليبيا..‏‏

ثم..‏‏

هذا كله لم يكن مخاض ولادة جديدة لدولة الوحدة بل مخاض التراجع الى الوراء باتجاه الاتحاد.. ثم التضامن.. ثم حلم التضامن..‏‏

في أجواء كهذه محكومة بيوميات الحياة السياسية العربية, نريد أن نحتفي بالوحدة في عيدها الخمسين, نريد أن نقول: إنه رغم انكسار الحلم.. ما زال حلماً مشروعاً.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية