تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من يحتاج الرثاء..?!

قضاياالثورة
الاحد 18/9/2005
علي قاسم

وسط هذا المشهد المضطرب من التداعيات المتسارعة, لا يكتفي البعض بترداد ما تقوله الجوقة الأميركية, بل يضيفون عليه ما يشتم منه الرثاء لحال سورية في مواجهتها للضغوط الهائلة التي تتعرض لها, وبعضها على الأقل, لا يخلو من الشماتة التي تبرز إلى العلن بصورة فاضحة ومؤسفة.‏‏‏

لا أحد ينكر حجم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها سورية, ولا أحد يتجاهل مخاطر الوضع وصعوبته, ولكن ما يؤسف له هو شماتة البعض واعتمادهم لغة المبالغة والتهويل لتصوير الحالة القائمة, وكأن الممانعة لأي توجه يستهدف الأمة وحقوقها وكرامتها أصبح ضرباً من المقامرة, حتى لو كانت الاستجابة له تعني من حيث المبدأ تطاولاً على الوجود واستهدافاً للهوية والحقوق.‏‏‏

والأكثر من ذلك من يسوق نفسه على أنه العارف الأكبر ببواطن الأمور, ويغوص عميقاً في رسم سيناريوهات وافتراضات تفتقد للحد الأدنى من المنطق, وتتعارض مع مسلمات الواقع, وتتجاهل بشكل كلي التاريخ ودروسه.‏‏‏

لسنا بوارد التعامي عن متغيرات يبصرها الصغير والكبير, وليست المسألة مزايدة في لحظة تاريخية لا تحتمل المزايدة بل تتطلب الواقعية, ولكن انطلاقاً من تلك الواقعية نقول:‏‏‏

أولاً- يعترف الجميع أن الضغوط الأميركية تستهدف تغيير مواقف سورية الوطنية والقومية, بما يستجيب لإملاءات تتعارض مع مصالح الأمة, وعندما ترفض سورية ذلك, فإنها تثبت للجميع أنها قوية, وليست - كما يسوق البعض - ضعيفة.‏‏‏

ثانياً- من السابق لأوانه الحكم على النتائج التي ستتمخض عنها, بحكم أن التاريخ قدم الكثير من البراهين, على أن الاعتبارات التي تتحكم بمجرى الأحداث والتطورات متغيرة ومتبدلة وفقاً لمعايير عديدة, لا تقتضي بالضرورة أن تكون القوة هي المعيار الوحيد.‏‏‏

ثالثاً- الأمر يستدعي وفق منطق أولئك أن يعيدوا النظر في استنتاجاتهم وقراءة المشهد برؤية مغايرة, ما داموا قد نصبوا أنفسهم قضاة ومحامين وشهوداً, وفي أحيان كثيرة شهود زور.‏‏‏

رابعاً- يدرك الجميع أن أحد الأخطاء التي تراكمت على مدى العقود الماضية, نتجت عن الصورة الكاذبة التي روجها أولئك عن أميركا وعن السياسة الأميركية, والتي توازت مع صورة خاطئة رسموها عن الواقع العربي والعلاقة التفاعلية مع الغرب, وبالتالي فإن ما سببوه من شرخ يقتضي المراجعة الفعلية لما أقدموا عليه.‏‏‏

خامساً- يدرك أولئك قبل سواهم أن الأمر لو كان كما توهموا, لشهدنا الكثير من التداعيات المرتبطة بذلك التصور, ولكن ما نشهده معاكس لكل ما يروجون له, بدءاً من المأزق الأميركي في العراق, وصولاً إلى حالة التخبط على المستوى الدولي في التعاطي مع الملفات الساخنة, مروراً بفقدان المصداقية في الداخل الأميركي.‏‏‏

لذلك ثمة من يعرف جيداً أن أولئك الاستباقيين في الترويج المفضوح للعصر الأميركي مصابون بالكثير من الأمراض التي حالت في الماضي دون أن يتمكنوا من القراءة الصحيحة, وتقودهم اليوم إلى الغرق في مستنقع الوهم.‏‏‏

والأهم من ذلك أنهم يقرون علناً أن سورية على الأقل تمكنت من خلق مشهد ممانعة كان صعباً على قوى وأطراف كثيرة, وبالتالي كان الأجدى أن يشكلوا حلقة حماية لجدار الممانعة الأخير, بدل التورط في حسابات الآخرين, تسويقاً ومتاجرة رخيصة لن يحصدوا منها سوى الخيبة, وربما كانوا من يحتاج للرثاء.‏‏‏

ولعل المشاهد المتبدلة في حلقة الضغوط تؤكد الإفلاس حيناً والضعف أحياناً, وعدم الجدوى فيما تبقى, وتتم القراءة على أكثر من صعيد, والأميركيون أول من يقرأ ذلك, بل ومن يقر أيضاً بذلك.‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية