|
اللوموند كما يجب انقاذها من الاخطار المحدقة بها ففي عام 2004 مرت جنازير الدبابات الاسرائيلية على الموزاييك البيزنطي في جباليا والحقت ضرراً كبيراً به, هناك خطر آخر يتهددها هو توسع المدن. خبيرا الآثار ايفلين براوي ورامجوية من معهد بيكتوريا في جنيف يعبران وبحماس كبير عن اعجابهما ودهشتهما بهذه المجموعة من الجدران المنقوشة من العهد الهيلنستي قائلين: (هي فريدة من نوعها لم نعرف مجموعة آثار كهذه حافظت على نقوشها اذ يعود تاريخها الى مئتي عام قبل الميلاد اننا مندهشون). وفي مخيم للاجئين الفلسطينيين قريب من غزة راحوا يختبرون الطلاء الابيض لجدار بيت في المخيم في بقعة رملية محاطة بمسجد الشهداء حيث تبدو هناك شبكة من النتوءات المزخرفة المتمايزة وجدران على امتداد خمسة هكتارات تقريبا تستدعي بحق التنقيب عنها, لقد افاد هذا الموقع بمعلومات تسمح باعادة قراءة وتشكيل جديد لتاريخ غزة وشرق المتوسط خلال العهد الفارسي الروماني.مدير ورشة العمل جان باتيست هومبير يقول:كانت شاتي اخر المدن الكلاسيكية الكبرى في فلسطين وغالباً ماذكرت في النصوص الاغريقية انها مدينة انتيدون وفي الحقيقة لم يتم التنقيب عنها من قبل الفلسطينيين ولم نكن لنتعرف موقعها تماما. المجموعة يرقى تاريخها الى القرن الاول قبل الميلاد ومؤلفة من سور يمتد طوله عشرات الامتار ومن منزل هيلنستي من القرن الثاني قبل الميلاد ومنزل روماني يبدو انه كان قد دمر في القرن الثالث وعلى مسافة صغيرة منه هناك شارع مرصوف وركيزة لباب ثقيل للمدينة الرومانية وثلاث قناطر تحدد ممرات المشاة وتشهد على اهمية المدينة وقد وجد الباحثون تحت هذا الباب في تموز الماضي بقايا من باب هيلنستي ضخم وفي ربيع 2005 اكتشفوا في البيت الهيلنستي جدران زينت برسوم جدارية مائية تمثل مساحات موحدة مركبة من الاحمر والاصفر والاسود وتحيط بها اطارات بيضاء تبدو في بعض الامكنة وكأنها مرمر, كما كشفوا عن قاعة حمام مع مقعد من الحجر للجلوس عليها أثناء الاستحمام وحائط صغير كانت توضع عليه جرار الماء وفيه فتحات لتصريف المياه يقول هومبير باعجاب: (لقد كان منزلا كبيرا مع رواق يطل على باحة داخلية وصالة استقبال مطلية بالأصفر والأسود يبلغ طولها تسعة أمتار انه شاهد رائع على حضارة الشرق). ويضيف رئيس الورشة (أما البيت الروماني فلم يكن أقل أهمية بل انه أسطوري ولدينا مخطط كامل لبيت ارستقراطي من العهد الروماني في القرن الأول). هذه الاكتشافات الأخيرة هي تتمة لاكتشافات سابقة وضعت خطواتها الأولى عام 1995 ضمن قطاع غزة وبعد ثلاثمائة متر تقريباً على الشاطىء تحقق علماء الآثار من أسوار يعود قدمها الى القرن الثامن قبل الميلاد من ضمنها منازل ومخازن تدل على أنها كانت مرفأ فارسياً, كما وجدت آلاف من قطع الخزف المطلية بالأسود تعود الى أصل إغريقي. عندما استولت الأسر المالكة من الفرس على مصر أتيحت لهم الفرصة لأول مرة للانفتاح على المتوسط إلا أن سيطرتهم تميزت بالتسامح والتنظيم إذ دعوا اليونانيين والقبارصة والمصريين الى تعزيز التبادل فيما بينهم لكن بقي الطابع الهيلنستي للبلاد مسيطراً والمنازل الاغريقية والرومانية التي نراها اليوم شاهدة على ثقافة تلك العهود. ان موقع شاتي أو انتيدون ليس الوحيد في قطاع غزة رغم مساحتها المتواضعة (365كم2) بل وجد أن ارثها غني بآثار لا يستهان بها ففي جباليا شمال غزة وجدنا بناء بيزنطياً فرشت أرضه بالموزاييك برسوم على شكل حيوانات وفي الناصرة جنوب غزة برزت من بين الرمال مجموعة أخرى من الموزاييك الجميل التي تبين أنها كانت ديراً للرهبان للقديس هيلاريون الذي يعتبر مؤسس حياة الرهبنة في فلسطين كما وجد جنوب غزة آثار تؤكد على وجود حياة بشرية هامة منذ 3300 عام قبل الميلاد. ويستمر التنقيب من قبل خبراء سويسريين من مركز بيكتوريا وفرنسيين من مركز الدراسات للتصوير الجداري الروماني (cnrs) بالتعاون مع الفلسطينيين وينهون عملهم بتحليل نقوش الحضارة الهلنستية. انه تاريخ لذلك الملتقى الهام بين مصر وسورية ارض الحضارات والسلام ومن الضروري جدا الحفاظ على ذاكرة الامكنة وحماية هذه الشواهد النفيسة لتاريخ حضارة المتوسط والتي بامكانها ان تصبح مكان جذب سياحي في غزة المفتوحة على العالم. |
|